الخميس، أغسطس 28، 2008

مشاجرة رباعية ، لكن ... حذار الورد !!


كانت أم ضعيفة - تبعا لإختيار النص
النص الذي يقدم " عرضا " مسرحياً ، لا حكيا لا يقدم أو يؤخر
(Show, not tell)
النص الذي قد يكون كلاسيكيا أو حديثا ببناء درامي تقليدي ،أو حداثيا يطرح بناءه الخاص و تصوراته المغايره
لا حدود هناك إلا أن يكون " مسرحا ً " ، لا خطبة طويلة عن مفاسد العصر ، أو مقالة متخفية في ثيابٍ مسرحية ، أو حدوتة مملة لا يتواصل معها أحد
كبندولين ... يتحركان بثبات في إتجاهين متعاكسين حول منضدة مستطيلة .. يلتقيان في المنتصف ، ثم يولي كلٌ منهما ظهره للآخر و يمضي في الجهة الأخرى ليلتقيان مرةً أخرى عند نقطة يفترقان عندها من جديد
- " أنت عنيد "
* " كلا "
- " بلى "
* " كلا "
- " بلى "
- " حذار الورد !"
* " بل أنت العنيد "
- " كلا "
* " بلى "
- " كلا"
* " بلى "
* " حذار الورد ! "

بكلماتٍ مركزة في حوارٍ دال ، ثم في عدة مشاهد قصيرة جدا ، مكثفة جدا ، و ذكية جدا ، لا يفصل بينها سوى الظلام يضعنا " يوجين يونسكو" مباشرةً أمام أنفسنا في أزمتنا الإنسانية المثيرة للدهشة و السخرية و الإشفاق : عندما نلتقي و لا نستطيع تواصلا ، نتحدث و لا نقول شيئا ، نرى و نسمع و لا نريد فهما ، و عندما نتفق .. نتفق على عمى جماعي نرى فيه الأشياء على غير حقيقتها ، و نتصارع لدرجة الموت على ما لاقيمة حقيقية له
تبدأ المسرحية بهذين الشخصين اللذين يتبادلان بجدية و إصرار و تكرارية إتهام كل منهما للآخر بالعند ... و يحاذران من الاقتراب من الورد فوق المنضدة كي لا يسقط
يمر شخصٌ ثالث ، يُحكِّمانه بينهما ، فيصير تدريجيا طرفاً ثالثا في الصراع الذي لا أساس له سوى إثبات أيا منهم على حق ، حتى لو لم يكن هناك شيئا ذي معنى يتجادلون حوله
فقط ... يجتمع ثلاثتهم على الحرص على الورد فوق المنضدة
يصل الموقف لذروته العبثية و الكوميدية عندما يمر رابع ، فيهب الثلاثة للفوز به بإعتباره " فتاة جميلة "
^ " إني رجل "
يكررها بدهشة ، و فزع ، ثم يأس و قلة حيلة عدة مرات ... لكن لا ينصت أحد
فقط ... يتصارعون للفوز بـ " فتاتهم الجميلة" مخاطرين لأجلها بالورد نفسه
^ " ألا ترى هذه ؟ "
يشير المسكين لذقنه الواضحة
- " بلى ، أرى "
لكن ، ماذا تعني رؤية العين عندما تسيطر صورة بعينها مضللة على العقل ؟
^ " إني رجل ! "
و ماذا يفيد القول أو السمع عندما لا تعني الكلمات سوى ذبذبات صوتية لا قيمة لها أمام إصرارٍ خفي على التصارع حتى لو انعكست فيه حقيقة الأشياء ؟
يتفق الثلاثة مرةً أخرى : على إعطاء " فتاتهم الجميلة " / التي هي رجل بالطبع / بندقية ، لتختار هي من بينهم واحدا و تقتل الإثنين الآخريين . ينتهز الرجل الفرصة ليبعدهم عنه و هو يرتعد ، ثم يهرب منهم راميا إياهم ( و إيانا أيضا بشكلٍ خفي ) بالجنون
لتنتهي المسرحية بنفس الحركة البندولية التي بدأت بها
يغلق الستار ، تُضاء الأنوار ، يحيي ممثلان و المخرج الجمهور ، بينما يظل أول شخصين بالمسرحية في إنغماسهما بحركتهما البندولية و عنادهما حتى في تحية الجمهور الذي يُجتذبان له عنوة :)
البطولة هنا جماعية / فردية
جماعية لذلك التركيز شبه المتساو على الشخصيات الأربعة الموجودة بالعمل . تلك الشخصيات التي لا اسم لها أو خلفيات إجتماعية أو نفسية أو ثقافية معينة ، تلك الشخصيات التي تتجمع من جديد في فرد واحد هو " الإنسان "
نصٌ شائق مثير للإهتمام ، ممثلون بارعون حقا استطاعوا تقديم لحظاتنا الإنسانية المتعددة بترددها ، عنادها ، دهشتها ، صدمتها ، شراستها ، لامعقوليتها ، لتتكامل مع نص ذكي ، و إخراج بسيط متميز ل محمد جبر بدأ بإختيار نص جيد ، و إدارة جيدة جدا للممثلين مخرجا منهم أفل ما يستطيعونه ، و استطاع من خلاله تقديم عرض متدفق حيوي ذي إيقاع رشيق لعبت فيه المتضادات أدوارها : من إضاءة و إظلام ، الحركة و السكون ، و الكلام و الصمت

***********************************************
* " مشاجرة رباعية " : أحد عروض قصر ثقافة الزقازيق التي شاركت في " مهرجان إقليم الدلتا لفرق نوادي المسرح "بالأسبوع الماضي
من 6-12 / 8/ 2008

ياسمين إمام

ليست هناك تعليقات: