الثلاثاء، سبتمبر 02، 2008

خيانة مع سبق الإصرار

عندما امتلكتُ قاربا ، لم أكتف بالإبحار به في المناطق الآمنة و الأماكن الخلابة فحسب ، بل كان لزاما عليّ التوغل وسط الأمواج العالية و الريح و العواصف ، كان عليّ بعض الاستكشاف و بعض المواجهة للصعاب .
البلوج/ المداونة ... هذا الكيان الانترنتي الشخصي - مهما يكن ما تطلق عليه من أسماء - هو قاربي الذي أبحر به منذ أكثر من عامين
لم أتعامل معه غالبا باعتباره منفذا للـ " كتابة " الأدبية أو النقدية أو الصحفية حتى - كما انتويتُ كثيرا أن أفعل - ، بل ... كان في معظمه سرد مباشر لأفكاري ، أو انفعالاتي تجاه أشياء ، أشخاص ، أو مواقف ، و عرض كثير من حياتي الشخصية عليه - تلك التي لا يعرف كثير من أصحابي المقربين عنها شيئا إلا من خلال البلوج -
و حقا لم يكن لهذا فائدة تُذكر غالبا سوى لي : قدرتي على مواجهة نفسي ، و عقد نقصي ، و أن أكون " أنا " بلا تجمل و بلا خجل مما قد يفكر به الآخرون عني
و عند منحى " التشريد " الذي ذُكر في التعليقات على البوست السابق ، أجد أني من حين لآخر " أُشرد " شخصا ما أو كيانا ما : نفسي ، عائلتي ، أحد الأصحاب أو الصويحبات .... إلخ
كانت " حياة " بطلة رواية " فوضى الحواس" لأحلام مستغانمي تقول أنه في كل كتابة خيانة لذكرى ما أو لشخص ما
هل لأن الكتابة اختزال للآخرين و الانتفاع منهم في تحويلهم لكيانات ورقية قد يربح منها الكاتب شهرة أو مالا ؟
هل لأن الكتابة انتهاك لمعبد الخصوصية التي شاركنا آخرون إياها ؟
( مع كل كلمة تكتبها أنت تخون شخصا ما ... أو ذكرى ما )
أم ربما لأن الكتابة هي فعل " فضح " لا نجرؤ على ممارسته أو الإنصات إليه في الحياة ؟
فضح لما تعتقده حقيقة و ما تراه ، ما يشعلك و ما يطفئك ، ما تحبه و ما تخشى مواجهته
و لأنها دائمة أيضا ... هي ذاكرة بذاتها .. ذاكرة تستحق أن يخشاها الأخرون
طوال السنوات الماضية ، أذكر عدة مرات شاهدني فيها أبي و أنا منغمسة في الكتابة ... ربما كانت خواطرا أو محاولات أدبية أو تعليق على شيء شاهدته أو قرأته ..... و كان التوتر و القلق و أحيانا السؤال المتوجس عما أكتب سمة أساسية ، خاصة إذا ما أصاب اليوم أي توتر سابق في المنزل
أدركت جليا أن أبي يخاف من الكتابة ..... يتساءل بينه و بين نفه عن الصورة التي ربما تكون الكلمات قد رسمته بها ... تلك الكلمات التي تبقى هناك بشكل دائم محسوس على الورق .... حتى لو كان ذاك الورق مكدسا في أحد الأركان و لا يطلع عليه أحد
لن يخاف أيٌ منا من الصورة التي ربما تكونت عند شخص ما أو عند الأخرين كلهم قدر أن نخشى من أن نتحول لكلمات لها وجودها ... كلمات ربما تديننا ، و ربما تغير حقيقتنا ، و ربما تبرز جانبا واحدا فقط من الصورة
أعترف أني مارستُ الخيانة كثيرا مع كل مخطط كتابة أنتويه ، أو قمت به ، و أني مارستها كذلك على صفحات المداونة
و الخيانة لا تنتفي مع تحول المباشر لغير المباشر ، أو الحياة لفن ... ففي كل قصة أو قصيدة أو عمل فني ما خيانة أيضا ، لكنها خيانة انتقائية جدا
خيانة ماكرة : تُخلد ما شئت من مشاعر و أفكار و انطباعات خلالها ، و تحولهم إلى كتلة دائمة الوجود ، و لا تدع أحدا يلاحظ فعلتك أو يدرك هدفك

هناك 7 تعليقات:

Mustafa Rizq يقول...

الكتابة ربما هي ل"المستغانمي" خيانة لذكرى ما؛فربما هي تعتقد أن الذكرى يجب أن توأد...

ربما من الممكن اعتبار الكتابة... اشياء كثيرة جدا... جدا

ربما اقرب هذه الأشياء إلى نفسي، كونها ذاكرة أخرى، ذاكرة مرتعشة من خوف الفقد، ذاكرة نحاول أن نرتاد أنفسنا من خلالها بحثا عن تلك الزاوية الغائمة التي يرانا الاخرون منها، أو تلك المفاتيح التي ربما قد تساعد في ادراكنا ذواتنا... أو هي فقط ذاكرة تخشى على الروائح و الألوان و الأصوات من زحام المدن و أتربة الشوارع.

بديهي أن يخشى البعض ذاكرة الآخر؛ فلابد و أننا قد فعلنا - ذات يوم - شيئا منافيا للذوق، و ربما كان مع سبق الإصرار.

شغف يقول...

:)

نصٌ جميل جدا بذاته ، و ليس مجرد تعليق

استمتعت بقراءته
و أتفق جدا معه

الكتابة عموما هي بالفعل أشياء كثيرة جدا
حسب الزاوية التي تنظر لها منها

سؤال :
إذا ما كانت الكتابة تعني لك كل هذا ، فلم الإقلال ؟ لم تلك الخشية التي ألمحها وراء الاقتصاد في كلماتك على البلوج و كأن كل كلمة هي أزمة من نوع ما ؟

عندك : ألمح خوفا آخرا من الكتابة

Mustafa Rizq يقول...

ربما هو كذك، و ربما لأن ذاكرتي لا تأبى إلا أن تؤكد على بقاء أشياء لا يقوى القلب على نسيانها المؤقت.

أو ربما هو الخوف من فقد بعض قليل جدا من الروح، تبقيه تلك الرغبة في كتابة شيء لن يكون... محاولة مستحيل أخشى أن يتحقق.

أو ربما هي معصية الكلمات على اللسان.

أو هي تلك الوصية البعيدة بأن حاول أن ترى طوال الوقت و تسمع بعضه و لا تتحدث إلا نادرا.

و ربما هي الحياة، مازالت قادرة على خلق الموت لأشيائنا المحببة.

و ربما أنا بالفعل بخيلة نفسي، لا أشعر إلا قليلا و لا أخبر عن ذلك إلا نادرا.

ربما و ربما و ربما... الأكيد أنه لا سبق إصرار أو حتى محاولة عمد.

mostafa rayan يقول...

اولا: كلسنةوانتي طيبة
عارفة اني اول مرةافكر ان الكتابة مكنتكوننوع من انواع الخيانة
انا لما فكرت في كلامك لقيته صح لحد بعيد لكن دةمش معناه اانا مانكتبش اونفضل نتحمل جوانا ذنب من نخونهم على الأوراق
ثم ليه هما خايفين من كتابتنا ليهم هل لأننا على الورق نظهر رأينا الحقيقي فيهم هل نظهر وجوههم الحقيقية
على كل حال اذا كانت الكتابة نوع من انواع الخيانة فمااحلاها من خيانة استمتعت بوجودي هنا
رغم اننى على كلماتك اعتبر الخائن الأعظم
دومت بكل خير يا صديقتي الجميلة

Diyaa Ahmed يقول...

خيانة انتقائية خبيثة ماكرة
أؤيدك وبشدة
موهوبة
ولكن مش كل الكتابة خيانة
بمعني إن أحياناً مش بتكون الكتابة فعل فضح ...مش صح برضه ؟

شغف يقول...

m.r:

أعجبني جدا وصف ل" بريتون " أحد رواد السريالية - يقول فيه أن الكتابة / الفن ... هو ترك ما هو قائم للاتحاد بما هو ممكن

و ها أنت ذا تخشى ما هو ممكن
تخشى حياة أخرى لتلك الأشياء التي لا يقوى القلب على نسيانها

الكتابة إبقاء للروح .. لا فقد لها

شغف يقول...

مصطفى ريان :
كل سنة و انت طيب أيها الخائن الأعظم :)



مش عايز تتجوز :
أكيد ... بس نسبة كبيرة من الكتابة كده
فيها ع الأقل فضح لشعور ما في خلفية مشاعرك تجاه شخص ما أو حدث ما ، حتى لو ألبست هذا الشعور ملابسا أخرى و ملامحا أخرى و وضعته في بيئة مختلفة تماما أو ادعيت له أسبابا مختلفة
تبقى خيانتك الماكرة حقيقة واقعة