الخميس، أكتوبر 16، 2008

مناديل ورقية


عدة أفلام عربي أشاهدها للمرة الأولى - على الرغم من وجودها على الجهاز منذ زمنٍ سحيق - تؤكد على نفس الملمح الأساسي في صناعة السينيما لدينا : مجانية المشاعر و القيم .
كان " جوزيف م. بوجز " يقول - في إحدى مقالاته التي ترجمها مصطفى محرم - أن هناك من يشاهد الأفلام بطريقة نقدية منذ المرة الأولى غير سامح لنفسه بالتأثر بأحداثها أو ما تجلبه من فرح أو حزن ، فهو يمنع نفسه من الإنغماس فيها .... و هناك - على العكس من ذلك - من يشاهدها منغمساً في أحداثها ، و لكنه غير قادر على معرفة الجيد فيها من الرديء أو على تحليلها بشكل قد يجعله أكثر قدرة على التواصل مع الفيلم ، و أن على المرء أن يجرب أن يشاهد الفيلم أكثر من مرة بأكثر من طريقة .
بالنسبة لي : أتعجب جدا من كم الانفعالات التي تمارسني بحرية أثناء مشاهدة أي فيلم : الاندهاش و الضحك المرتفع أمام مواقفه الطريفة / أو التي بها شيء من الاستظراف حتى / و ربما أحيانا إعادة إحدى الجمل أو التفوه بدهشة ناظرةً لمن حولي : " يا نهااار ! "
ترقرق الدموع في عينيّ ثم انسيابها بعمق - و ربما نهنة أيضا - أمام أي موقف به قدر من الشجن / و غالبا مع بدء الموسيقى التصويرية التي تعد لهذا الجزء /
الابتسام و الشعور بالانبساط و الارتياح مع المشاهد العاطفية و المشاهد التي ينتصر فيها البطل و تصلح الحياة له وجهها ...إلخ
نعم .... أنا مُشاهدة متواطئة .... ثم ...
بعد كلمة النهاية توقع غالباً أن تسمع مني هذه الجملة :
" إيه الفيلم العبيط ده ؟ "
ثم ... تحليل لعناصر الفيلم : من حبكة ساذجة غالبا تكثر فيها المصادفات - التي لم يتم الإعداد لها أبدا - ، و الحشو الزائد ، لعدم منطقية بعض الأجزاء ، لشخصيات نمطية ليست لها بصمتها الخاصة : فهذا هو البطل الوسيم ، و ذاك هو اللص الظريف ، و تلك هي الفاتنة التي تجذب أنظار الجميع ، و ذاك الشرير الذي يحب البطلة و يحاول تدبيرا شريرا للبطل ، و هذا هو البطل ابن البلد الذي تغلق الدنيا أبوابها في وجهه .. لكن روحي يا أيام ، و تعالي يا أيام ، و إذ فجأتن يبتسم له الحظ و يجد كل الأبواب المغلقة تفتح له ..... إضافة إلى التسطيح الكبير جدا لكل من حوله من شخصيات ، إلى الحلول المفتعلة التي تهبط مرة واحدة من السماء ، إلى الفقر في الحوار ، في التمثيل ، في المشاهد ....
أعتقد أن هذا ينطبق على الكثير من الأفلام ...لتُعامل كالمناديل الورقية التي يستعملها المرء مرة أو اثنتان ثم يُلقي بها في سلة المهملات
رد فعلي المركب جدا تجاه هذه الأفلام مرجعه إلى ما ذكرته من قبل : مجانية المشاعر و القيم
نعم ... فهذه الأفلام لديها الخلطة الجاهزة للتأثير على المُشاهد - إذا ما ترك عنانه لها - : فهي قادرة على إضحاكك و لو بمشاهد مفتعلة أو كلمات تصدم توقعك أو بالجو المرح الذي تثيره و تنساق معه لأنك في حاجة للضحك ، قادرة على منحك حكمة العدد، قادرة على جذب تعاطفك و لو لحاجتك إلى الفرح ، المشاركة ، التعاطف ، قادرة على إبكائك و لو بوضع تركيبة ميلودرامية معروفة سلفاً و ليس لديك المانع لممارسة قدر من إنسانيتك خلالها ، أو لأن صناع الفيلم يريدون منك التعاطف ( تعاطفك لوحده كفاية ) فتنفعل تلقائيا { ألا يأخذ أغلبنا جانب البطل دون وعي حتى لو كان هذا البطل مجرما ً أو سارقا ً أو نصابا ً في هذ الأفلام ؟ بينما يمل الكثيرون من الأفلام الناضجة لأنها لا تتيح هذا الحل السريع المريح غالبا بل تفضل غمسك في التجربة قبل أن توجه وجهك ناحية ما يجب أن تأخذ صفه من قيم أو مواقف ؟}
أو لأن البطل ( دمه خفيف ) أو البطلة ( أمورة ) ، فتشعر بضرورة الوقوف إلى جوارهما بمشاعرك و تمنى كل السعادة لهما :) ، و هذا ما يبرز مشاعرك الطيبة النبيلة إلى النور التي ربما كتمها الواقع طويلا ً :>
و بالتالي - و كما غنت فيروز :
" تبكي و تضحك لا حزنا و لا فرحا
كعاشقٍ خط سطرا في الهوى و محا "

و يتبدى معنى البيت الأخير جليا ً بعد أقل من عشر دقائق من إنتهاء الفيلم .... لأنه ببساطة على كل ما أثاره داخلك من إنفعالات و مشاعر وقتية ، هو غير قادر على الاستمرار معك .... غير قادر على تغيير شيء في نظرتك لذاتك أو الحياة .... غير قادر على إشعارك بأنك مررت بتجربة .. أو خبرة .. أو شيء مؤثر حقيقة ً ...
قرأتُ لـ " كافكا " مرة ً يقول أنه على الكتاب الذي نقرأه أن يفعل فينا شيئا ، أن يُهشمنا و يعيد صياغتنا ، أن يُدمينا و يبكينا و كأننا فقدنا عزيزا غاليا ً ...
أجده محقا جدا في دعواه ، و أتشبث بها و أجدها تسري على الفن بأنواعه أكثر من القراءة .... و لا أجد ذلك متحققا في مجرد فكرة مثالية ليس لها تطبيق واقعي ؛ فهناك بالفعل من الأفلام / الروايات / اللوحات / الأغنيات ، ما ذاق معه المرء ذلك الإحساس و تيقن من وجوده : أن الفن يمكن أن يكون تجربة ، و تجربة عميقة أيضا ... و يمكن أن يعطيك خبرة من نوع ما ... أو حدساً ... أو نظارة جديدة ترى بها الأشياء .... يمكنه أن يهدم داخلك أشياءا و يقيم أخرى .... أن يعضك ...و يُدميك ... ثم يعالجك
....
الكثيرون لديهم سر الصنعة ، لكن القليلين فقط هم من لديهم الإبداع و التفرد
*******************************
لستُ - على أية حال - من كارهي المناديل الورقية أبدا ، فلها استعمالها مع ذلك ... إضافة إلى وجود بعض الأشياء القليلة التي لها تفردها و طعمها فيها ، و كما كان يقول الناقد / سامي السلاموني أن الفيلم الضعيف الناجح جماهيريا يحتوي في جوهره على بعض اسباب النجاح ، و على نقط تميزه التي رفعته على ما به من عيوب ، و العكس صحيح ....
فمن الرائع أن تجد أنه قد تبقى معك أحيانا جملة حوارية ما ، لقطة ما ، تعبير ما على وجه ممثل ، مشهد ما سواء على مستوى السيناريو أو على مستوى التنفيذ .... جيد ، لا بأس على الإطلاق .

هناك 8 تعليقات:

romansy يقول...

فعلا عندك حق فيه افلام جميله قوى انا عن نفسى مهما سمعتها مرات كتيره عمرى ما ازهق منها
وبالذات الافلام الكوميديه
ياريت نلاقى فن زى زمان تانى
بس هنلاقى فعلا؟

syzef يقول...

مرة كنت بسمع مسلسل مع شخص ما..فقالي جملة لفتت انتباهي جدا ..قاللي شوف ماهي لو البشر تقعد وتستفاد من اللي بيحصل ده ف حياتها كان انصلح حالها..ههههههههههههه

يومها الكلمة بهرتني جدا وعجبني موقفه قوي ..وقلت ف عقلي اما فعلا لو كل واحد طلع كل يوم من حلقة ف المسلسل بتغيير فكر معين جواه او بناء رؤية مختلفة او اكتساب نمط فعال ف حياته..وقدام بقي الكم الرهيب من المسلسلاات اللي بتتعمل ..يومها نويت اتبع فكرة الراجل اللي بهرني

واديني بقالي سنين بسمع مسلسلاات وافلام بضحك وبحزن وبتمني الخير للبطل وادعيله ربنا يفك زنقته وربنا يفك سجنه لو مسجون وربنا يعطيه لو فقير وربنا يشفيه لو عيان

لكني اكتشفت بعد سنين من المسلسلاات اني لسه كاني قاعد مع الشخص وبيطرح عليا فكرته لاول مرة..اعتقد ان ده معناه ان فننا الدرامي موصلش لدرجة انه يعلم جوانا لافتعال المشهد من اول كاتبه لحد ممثله فعلا والمشكلة الكبيرة بقت استعداد المشاهد لاكمال سلسلة الافتعال

افلاام ومسلسلاات قليله جدا اللي بتنجو من حصار علبة المناديل بتعبيرك الرائع ده

تحياتي

islam yusuf يقول...

مدوننتك فى غاية الروعة

و كلامك عن التذوق السينمائى جميل جدا

على فكرة أنا ممكن اكون من الصنفين
لأنى فى الأساس انطباعى
أول مرة أشاهد الفيلم ممكن ما اقدرش أقول عليه حاجة غير يانهار أبيض
لكن لازم علشان يبقى فيه موضوعية انى أتفرج عليه تانى بحس نقدى
و أشوف ايه اللى ليه وايه اللى عليه
بس حاليا فى السينما المصرية ما تقدريش تقولى حاجة
لأن أصلا مفيش مستوى
ممكن اللى عجبنى أوى بعض الأفلام اللى تتعد على الصوابع
زى 45 يوم
أو فى شقة مصر الجديدة
ظرف ظرف طارق مع انى مش باستلطف أحمد حلمى

مقالك جميل جدا
و مدونتك أروع
تحياتى

Mustafa Rizq يقول...

لأ

شغف يقول...

رومانسي :

:) راجع تعليقي عليك في البوست اللي فات

على فكرة كلامك فيه شيء من التناقض مع الكلام اللي أنا قلته أصلا






سيزيف :
بالظبببببببببط
عارف لو الفيلم أو المسلسل على بعضه نجح في تغيير حاجة صغنتوتة جدا في إدراكك لنفسك أو للدنيا أو للناس من حواليك ، ده يبقى انتصار حقيقي للفن


أنا بالنسبة لي فيه فعلا حاجات عملت معايا كده ، و فيه حاجات حسستني انها مش بس غيرت فيا حاجة ، لكن عالجت مشاعر سيئة أو إدراك سلبي ما عن نفسي أو العالم


سلاماتي :)

شغف يقول...

إسلام يوسف :
على فكرة بقى ، في التلات اربع سنين الأخيرة بدأت تكون فيه أفلام مستواها كويس ، و فيه شبه صحوة كده ، خصوصا مع تعدد الانتاج السينيمائي و المنافسة بين شركات الانتاج

و فيه أفلام حلوة اتعملت منها برضة : بحب السيما ، حب البنات ، سهر الليالي ، عن العشق و الهوى ... إلخ
هتلاقي دماغ جديدة نوعا عن التنميط المعتاد في بقية الأفلام ، و إن كان ده ما يمنعش إن كتير من اللي موجود بشكل عام مناديل ورقية





m.r:
أه
:-P

على فكرة يا جماعة سوري في التأخر في التعليقات ، بيبقى عندي مشكلة في الجهاز و النت معظم الوقت ، فمش بأعرف أدخل أعلق

إبـراهيم ... يقول...

على فكرة بقى أنا فاكر إني قريت التدوينة دي وعجبتني، وعلقت عليها ...؟؟؟


راااااح فيييين التعليق .؟؟؟


ولا أنا عديت وما علقتش ؟؟؟
ولا أنا كنت هعلق ونسيت ؟؟؟


تحياتي يا شغف هانم على كل حـال

وسعدنــا بنورك

شغف يقول...

إبراهيم :

هوه غالبا احتمال تكون علقت ،بعدين النت فصل منك و التعليق ما اتنشرش / بتحصللي
أوانك كنت هاتعلق و نسيت
لكن مافيش حاجة هنا يا فندم بتتحط و تتشال تاني