السبت، نوفمبر 29، 2008

على هامش المهرجان


" لازم بطاقات دعوة للدخول "
يجيبني أحد القادمين من هناك ... لا أهتم ، و أواصل التقدم ... أنظر لقائمة العروض لأكتشف وشك الفيلم على الانتهاء ، لكن رغبتي في الدخول مازالت قائمة ...
" صحافة ؟ "
يسألني أحد الواقفين
" لأ ... "
" لازم بطاقات دعوة علشان تخشي ... و .... بصي ... تعالي ، أنا هأدخلك "
يقود الطريق أمامي لأجد أننا قد دخلنا بسلاسة دون أسئلةٍ من الحرس .... يفسح لي الطريق في قاعة عرض الأفلام ، أجلس و أجده قد جلس إلى جواري ...
" انتي بقى إيه علاقتك بالسنيما ؟ عاوزة تمثلي ؟ "
" لأ ... مش ينفع أبقى مهتمة و خلاص ؟ "
"بصي للفيلم و انتي بتتكلمي "
يرن جرس الهاتف متواصلاً بينما البطلة ممدة على الأريكة بيأسٍ ما
" يعني انتي مش عاوزة تدخلي المجال ؟ "
أوجه نظري نحوه ثانيةً : " يعني ..... بأحاول أكتب سيناريو "
أحاول معرفةً لكينونته ... تُضاء القاعة لأكتشف أني لم أشاهد شيئا
" حضرتك مين بقى ؟ "
" زي ما قلت لك " على " ، و من غير " حضرتك " ، و من غير " أستاذ " "
أُصر على معرفة كينونته
" واحد كان مهتم زيك ، و دلوقتي بقى شغال في تنسيق الحاجات دي "
..أراه سبباً معقولا لمساعدته إياي ....
" بأشتغل على طول في المهرجانات ، لو عاوزة تحضري أي حدث ابقي قوليلي بس و أنا أدخلك ... و أعرف ناس كتير في المجال ممكن يساعدوكي "
" عظييييييييم جدا "

" تحضري الندوة ؟ "
" عاوزة أبص ع المعرض اللي في قصر الفنون "

يفسح لي الطريق ، يتبعني ..يواصل أسئلته ، و أجد أنه لا ضير من أن يوسع المرء دائرة معارفه
أشعر بكفه على كتفي - عفوا بالتأكيد - أنكمش و أفسح المسافة بيننا ...
يقدم تحليلاته لي ما بين الحين و الآخر
ندخل إلى القاعة ، أشعر بكفه ثانية على كتفي - عفوا ربما - أنكمش على ذاتي أكثر و أُسرع خطاي
" انتي مهتمة بإيه بالظبط ؟ أنا حاسس إن عندك طاقة جامدة و إن جواكي مليان "
" عادي ... بالفن عامة "
" و الحب ؟ حبيتي قبل كده ؟ "
على خصوصية السؤال ، لم أُفجأ ، فقد أصبح من الأسئلة الشائعة هذه الأيام التي يعتقد السائل أنه يكسب أرضا إضافية بها مع من يسأله .... أجبتُ و أنا أعرف أن إجاباتي كلها لا تعني شيئا .. فهي إجابات تقريرية مسطحة لأسئلة أعاملها باعتيادية
" وريني إيدك كده "
أبسط كفي بتلقائية أمامه
" إيدك عرقانه "
يمسك كفي ... " و باردة " ..... أسحبه بسرعة
" انتي عصبية شوية ، مش كده ؟ "
" باين عليك قاري كويس في علم النفس " ... يصور بعضا من اللوحات ، أتركه إلى حيث قاعة أخرى ... أجده خلفي ...
" سوسو " .... أتجاهل طريقته في النداء
" سوسو " ...... بالتأكيد ليس هذا اسمي
" سندس " .... ألتفت نحوه ...
" صوريني جنب التمثال ده "
أضبط كاميرا هاتفه النقال ، و ألتقط صورة له
" الصورة بعيدة كده ليه ؟ تعالي لما أصورك جنب اللوحة دي "
" شكرا مش عاوزة "

" طب إيه بقى يا " حُبي " اللي منتظراه من الحب ؟ "
أتجاهل طريقته في السؤال وأتركه إلى الجانب المقابل من القاعة
"
انتي بتخافي من الناس ، صح ؟ حتى خفتي لما لمستك"
"ما بأخافش و ما بأحبش حد يلمسني ... "
" ليه بس يا " حبيبي " ، خليكي فريش كده "
" لو سمحت ما تستخدمش اللفظ ده معايا "
" ليه ؟ بتتكسفي ؟ "
" بأحس بس إن الناس بتبتذل الألفاظ أكتر من اللازم .... لازم أروح على فكرة ، أنا اتأخرت "
" هاوصلك ... تعالي من هنا "
أتبعه صعودا و هبوطا بين القاعات التي يفضي بعضها إلى بعض ، لنصل إلى طريق مسدود
" غلط على فكرة ... السكة الناحية التانية "
أتقدم الطريق و أسبقه بمسافة كبيرة ... باب الخروج أخيرا .... أجده خلفي ، و أشعر بكفه على كتفي ، اقف و ألتفت إليه بحدة ، و أنظر إليه بحسم :
" لو سمحت إيدك ما تلمسنيش تاني "

بعض أنظار العاملين تلتفت نحونا
يؤخذ ... يتراجع قليلا ... أسير ، ثم أجده ورائي من جديد :
" يا بنتي عيشي حياتك ، مش تبقي قافلة على نفسك كده ، انتي انثى ... بنت جميلة و جذابة ، ليه بتتعاملي كده ؟ "
" ما ينفعش أتعامل على إني إنسانة بتعامل بني آدمين ؟ ما ينفعش أحافظ على خصوصيتي ؟ "
أتعثر في أحد الحواجز الحديدية و أسقط ...
" شفتي توترك عمل إيه ؟ "
يُخرج منديلا و يمد يده ليمسح وجهي ... أتراجع خطوتان ، لكني آخذ منه المنديل
" خلاص خلاص ... أنا هاسيبك تكملي لبره الأوبرا لوحدك ، سلام ؟ "
يمد يده نحوي ، أنظر له وهلة ، ثم أسلم عليه بقوة تناقض دفء يديه و ليونتها ... ألمح دهشةً ما على ملامحه ، و تساؤلا كاد أن ينطق به لولا أن سبقته خطواتي على كوبري قصر النيل ، و أنا أتنفس الهواء الليلي المنعش و أتأمل إنعكاسات الأضواء الملونة و الموج الهاديء يؤرجحها على سطح النيل .


الثلاثاء، نوفمبر 11، 2008

واحدٌ منهم

- " هاشوفِك قريب ؟ "
* " مش عارفة "
- " ربنا يسهل إن شاء الله "
كما هي العادة : يسألُ سؤالا غير حقيقي ، و ينتظر إجابة غير حقيقية ... فقط لدفع مسار الحديث
و كما هي العادة : أعتبر الأسئلة ذات معنى ، و أجيب عنها حقا
لا يتمادى في الأسئلة ... يتوتر قليلا .. ثم ؛ يقدم الإجابة النموذجية المُعتاد قولها في مثل هذه المواقف
و كما هي العادة : أتضايق قليلا بيني و بين نفسي ، أحنق قليلا ... ثم ؛ أفكر أننا لسنا بذاك القرب الذي يدعيه استمرار وجود كلٌ منا على هامش حياة الآخر كل ذلك الوقت .. لأغضب منه بوضوح ، أو ... ربما .... لأسمح لنفسي بالظن أن غضبي منه ذو معنى أو قيمة بالنسبة له ... أو لأبدي له بتلقائية ملاحظتي عن صوته الذي تغير إيقاعه و نبرته بشكل كبير ليشي بوضوح أن هناك شيئا ما بحياته تغير ، أو يتغير هذه الأيام ... أو حتى لأنهي علامات الاستفهام الكثيرة بشأنه للأبد بضغطاتٍ عبقرية متتالية على : " حذف " ، " مسح " ، " اجنور " ، " ديليت " ، " بلوك " ... لأحذفه من كوني
هو فقط من أولئك الأشخاص الذين يحملون في وجودهم شيئا ما يسبب الإدمان ... يجعلك تدمن الحنين إليهم كل فترة و أخرى ...
ليس " إليهم " بالضبط ... بل ، لوجودهم ذاته مجردا عنهم .. مجردا عن نوعية أو مدى العلاقة بينكما ... مجردا عن مدى قربك منهم أو قربهم منك ... مجردا عن كفاءة التواصل بينكما أو كفايته ... فقط أن تعرف أنهم مازالوا هناك ... موجودين ... بخير ... و مازال بإمكانك أن تطل على إحدى شرفات وجودهم - و لو في كل عامٍ مرة : أصواتهم على البعد ... كلماتهم المتروكة في كتابةٍ ما هنا أو هناك ... كلمات يسيرة لآخرين عنهم ... أن تراهم في صدفة ٍ مثالية أو في موعدٍ لا يمنحك منهم إلا رؤياهم و كلماتٍ متناثرة منك أو منهم لا تعني شيئا حقا .. أو لترسل لوجودهم إبتسامتك و إيماءة رأسك بالتحية في ظل رنة إلى هواتفهم .. أو تراهم في حلمٍ ما ... بعد أن لا يبقى منهم في عالمك سوى أطيافهم ، تأتيك بإنتظام لتشكو أو تبوح أو تفرح بين يديك ، لتطمئن عليهم بطريقتك الخاصة عبر تلك الخيوط السرية التي تربطك بهم ، و التي تؤكد لك في كل مرة أن لقياكم لم يكن عبثا ، هو فقط ربما صيغ في معادلة خاطئة ...
هو من أولئك الأشخاص الذين تدرك جيدا أنك لو جاوزت رشفتك من وجودهم ، فشربت من أنهارهم بنهم ، أو ظننت إلتقاء مصبي نهريكما ، فسيختل توازنك .. تفقد السيطرة على مسارات حياتك ، و راحة بالك ، و حساباتك الخاصة .... و تتحول لشخصٍ آخر يحنق كثيرا ، و يغضب كثيرا ، و يشتعل بالثورة لأتفه الأسباب ، و يجرح بعمق لأقل الكلمات و لو كانت مزاحا ، أو اعتيادا
/ كلماتُ الاعتياد من القريبين نوعٌ من الإهانة ، و لو كانت مديحا /
ذاك النوع من البشر كفنجان القهوة :
يبهجني ارتشافه بين كل فترة و أخرى
و لا يبقى منه سوى إدمان إحتياجي له دون شعور بالبهجة أو الاكتفاء إذا ما اعتدتُ أو اعتمدتُ على تناولي المستمر له