الخميس، فبراير 26، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 8

عزيزي :

و أنا أعيد قراءة كتاب " النساء من الزهرة ، الرجال من المريخ " ، وجدتني أفكر من جديد في تلك التجربة المجهضة التي مررتُ بها منذ عدة سنوات ... و فكرت أن أخبرك ....بالأحرى : أن أعترف لك : كم كنت غبية ، ساذجة ، أنانية ، و جارحة ...
أعترف أني أمتلك القدرة على الإيذاء – دون أن أعرف – و أني آذيته كثيرا ، و بعمق ...
ربما جهلي وقتها هو عذري الوحيد الحائل بيني و بين الندم ... و إن كنتُ أشعر بالإشفاق تجاه تلك التجارب التي نتعلم فيها على حساب آخرين ...
هو شيءٌ غريبٌ جدا – مع ذلك – أن تظل على قناعتك بأنك أنت المظلوم المجروح المثقل بالطعنات لوقتٍ طويل من الوقت ، ثم يأتي شيءٌ بسيط جدا – كقراءة كتاب – ليهد لك كل تصوراتك عن الأشياء ... عن الأخرين ... و عن نفسك أيضا ...
هذا الإدراك اقتحمني منذ حوالي السنتين : عند القراءة الأولى للكتاب .. و لم أدر وقتها ماذا يمكنني أن أفعل ...
فلوقتٍ طويل كان يأتيني في الحلم بشكل شبه دوري : مُتعب ، مُثقل ، أو مريض ... أو آخرون يتتبعوني قائلين أنه في حاجة إليّ ... كنت أدير عنهم وجهي ، و أشعر برغبتي في الابتعاد ... كنت أشعر بعجزي في الحلم ، فليس ثمة شيء أستطيع فعله ... و كنت أقوم من النوم في حيرة : لماذا يأتيني في الحلم ؟ ألم ينته الأمر ؟
بعد الكتاب ، كل هذا تبدل مرة واحدة : فصارت أحلامي هي محاولة مني لتتبعه و اللحاق به : فقط ... أريد أن أقول له أني آسفه ... أني آذيته دون أن أدرك هذا ، و قد كنت أظن أن العكس فقط هو الواقع ...
فكرتُ وقتها أن أحادثه لأعتذر له عن كل ما حدث : عن أني لم أثق به كفاية في حين كان يستحق ذلك - ، لم أعترف به و أتقبله حينما كان ينبغي عليّ ذلك ، أني أفزعت حصانه ، و جردته من سيفه ، ثم أعلنت أنه ليس لي فارسا ً ، أني لم أكن واضحة كفاية ، و لم أغضب و أتشاجر معه حتى تجاه ما كان يضايقني ، و اعتبرتها جرحا ً للكرامة لو حدثته عن ما يضايقني مفترضة منه أن يفهم وحده ، أو أن التلميح وحده يكفي و يزيد ...
فكرتُ جديا في الاعتذار و إعادة الاعتبار له ، لكني تراجعت ُ في اللحظة الأخيرة : خفت أن أعيد فتح جرحه من جديد بسذاجتي المعهودة و أنا أدعي مداواته ... خفت من أن أذكره بما نجح في تناسيه ... خفت من أن أؤذيه مرة أخرى ... فتراجعت ، و كل ما صرتُ آمله حقا و بصدق هو أن يحب من جديد أخرى أكثر ذكاءا و حساسية و حكمة تستطيع إجتثاث مرارة تجربتي منه ...
كما أعرف أني أورثته المرارة ، أدرك أني أُرِثتُ معرفةً و ثقة و قوة ...
كان مذهلا ً حقا أن أقولها أمام أبي ، و أمي ، و ذلك الشخص الذي كان يحاول اقترابا : أحببتُ من قبل ، و أعرف ما الذي يعنيه هذا ، و لست مستعدة للارتباط دون حب ...
كنت أنظر لوجه ذلك القادم بثقة و أنا أقولها و أقول له أنه يعرف ذلك .... تهرب من المعرفة ، فأعدت الجملة كجملة إخبارية .... قال : " لا أعرف شيئا ، و لا أريد معرفة شيء " ، فهمس "محمود درويش " داخلي : " و خوفُ الغزاة من الذكريات "
و جئتَ أنت ببالي جدا ، و أنا أعرف أننا سنتبادل تفاصيل حياتينا و تجاربنا دون خجل أو خوف من المعرفة أو شعور بالتهديد من الماضي و أطيافه ، بل ؛ بتقدير و إمتنان لكل ما مر بنا و ساهم في تغييرنا و تشكيلنا من جديد ، و مواجهتنا لأنفسنا ... و ليس ثمة ما يمكنه فعل ذلك قدر الاقتراب من آخر
..

أتوق للقياك

سلام
الجمعة 20/ 2/ 2009
5:30 م

الأربعاء، فبراير 25، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 7

عزيزي :

كنتُ أشعر بالإنهاك و الضيق ، فلم أستطع التعامل بحكمة مع الأمر ...
كان رنين ذلك الرقم الغريب يتواصل يوما ً وراء يوم بإصرار غريب ... حتى بعدما رددت و أغلقت الخط في وجه صاحبه مرتين ، قال لي في الأولى أن صوتي يعجبه ، و في الثانية أنه يحبني .. تصور ! يحبني مرة واحدة ! أشعر الآن فقط – و أنا أفضي إليك بالأمر – كم هو طريف و مضحك !
و في الثالثة فتحت الخط لمدة دقيقة دون أن أتحدث ، أو حتى أنصت ( شريرة أنا قليلا ، أعرف :) ) .... ثم صرت أتجاهل الرقم تماما بعد ذلك ....
حقا ً لم أكن أشعر بالإستياء إتجاهه ، كانت يغلب على ّ الإشفاق و التعجب إتجاه ذلك الشخص و من هم على شاكلته – و هم كُثر - : أولئك الذين لا هدف لهم أو طموح أو حياة حقيقية ، تقتلهم الوحدة و الفراغ ، و ربما المشكلات ، و ليس لهم إلا تمضية وقتهم في معاكسات تليفونية / أو حتى معاكسات مباشرة في الطرق / ... أو ( معايشة الدور ) مع أي فتاة قد تصلح لذلك / ثم تقبل به / ... ليبوح لها بالكلمة السحرية : ( أحبك ) ، منتظرا ً منها أن تطير فرحا ً ، أو – كعادة البنات – تتمنع قليلا ً ( لزوم الأدب و التقل ) ، ثم أمام الإلحاح الذي يفتت القلوب تنصبه لها فارسا ً !
و لأني لم أكن في مزاج معتدل ، و لأني كنت أشعر بالإنشغال و الضغط ، و الإنغماس في محاولات الطرق على الأبواب المواربة و انتظار أن تعلن لي مواقفا ً صريحة ؛ لم أستطع ممارسة الحكمة أو التعقل أو القيام بسلوك إيجابي إتجاهه ... فقط أغلقت الخط متعجبةً أنه مازال هناك من "يعاكس" ، و بهذه الطريقة الفجة ......فذهني لم تكن به مساحة كافية لشيء آخر...
في وقتٍ آخر غير هذه الفترة ، لما كنت أغلقت في وجهه الخط أو تجاهلته ، لربما كنت لأضحك و أجاريه قليلا – كما نجاري الأطفال بسؤالنا لهم عن تصوراتهم عن الأشياء - ، ثم لأشير له إلى طرقٍ أجدى و أنفع عليه من العبث بهذه الطريقة ...
أشعر أني أكثر نضجا ً الآن ... فقد مضى ذلك الوقت الذي كان على الفتاة أن تظهر تجهمها الشديد و تبرمها و ضيقها من فتى يتعقبها ، بينما في داخلها تشعر بلذة آثمة خفية من أن هناك ثمة من هو معجب بها ...
لا أدرك هذا الآن فقط ... بل ربما منذ عامين تقريبا .. أو ربما أكثر .. في ذلك اليوم الذي سمعت فيه خلفي في الشارع فَتيان يوجهان لي جمل غزل ما ... لأفجأ داخلي بتلك الرغبة في أن ألتفت إليهما ، أنظر لهما مباشرة ، و أبتسم تلك الابتسامة – التي تبتسمها لطفل يحاول لفت إنتباهك ، التي تعني : " يا ختي كميلة ! تيتة خدت بالها خلاص ، روح روّح بقى " ، أو شيء من هذا القبيل ...
كان واضحا ً داخلي جدا – ربما لأول مرة – شعوري بأنه سلوك " عيالي " جدا أن يقوم أحدهم بالمعاكسة ... و أني لستُ متضررة أو متضايقة – كما كان يظهر على وجهي سابقا ً ، و لا أشعر كذلك بأدنى تقبل داخلي لأي مما يقال : عادي !
ليس إلا أمر جدير باستدعاء الشفقة حينا ً ، و الدهشة حينا ، و الاستخفاف حينا ... و استصغار عقول هؤلاء أغلب الوقت ...
ربما ما يضايقني حقا ً هو إبتذال كلمة "الحب" دائما ... دعك من المعاكسات ... و انظر للعلاقات العادية : الزمالة ... القرابة ... حتى علاقات الشات .. تكون الأمور على ما يرام في البداية ، أحاديث عادية جدا ، عابرة جدا .... تفجأ بعدها بمحاولة العبور مباشرة إلى مرسى الحب الوردي !!
لا أعرف كيف يسمح المرء لنفسه بأن يتلفظ – أو حتى يلمح – بكلمة الحب هذه ، و هو لا يعرف شيئا ً عمن يعتقد / أو يدعي / أنه يحبه .... لا يعرفه حقا .... لا يعرف كيف يبدأ يومه أو كيف ينهيه ، ماذا يحب و ماذا يكره ، ماذا يغضبه و ماذا يرضيه ، نقاط إتفاقهما ، و مساحات إختلافهما ... خططهما للحياة و مدى إتفاقها .... لا يعرف حتى معتقداته الدينية أو السياسية أو إتجاهاته نحو البشر .... و هو لم يجرب معه مواجهة مشكلة أو صعوبة ما ، لم يره و هو حزين أو مكتئب أو غاضب أو ساخط أو عصبي .....
المشكلة الحقيقية أن الناس غالبا ً تحيا حياتها على طريقة الأفلام العربية الركيكة التي فُرغت فيها الكلمات من معناها ، و تحولت فيها الأحداث و الأفعال لمجرد حوادث عرَضية ملفقة...
و ربما هذا هو أكثر ما يجعلني أتشبث بك :
إنتظاري لنضجك .... لفهمك ، تفهمك .... و تفاديك لشَرَك الكلمات ، و ما يمكن لها أن تحمل من إبتذال ، ركاكة ، سطحية ، أو كذب .

أنتظرك
الأربعاء 18/ 2/ 2009
3:00 ل

السبت، فبراير 14، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 6


عزيزي :

آملتُ أن تمطر السماء اليوم مع هذا البرد النسبي ، و مع الغيوم التي تملأها ... عادت أختي من درسها لتذكر أن السماء قد أدمعت قليلا ... ارتديتُ ملابسي و خرجت لتجابهني خيبة الأمل : فليس ثمة قطرة واحدة أجدها ، و الأكثر ... الجو يفقد برودته لحظة بعد أخرى ...
لكني لا أعتقد أن هذا هو سبب أساسي في الشعور بالانهيا ر الذي أصابني بعدها ، و أنا أحادث بعضا ً من معارفي على الشات ... وجدتني أشكو لاثنين منهما ... و أدمع ... نعم بكيت – رغما عني - ، و حمدت الله أن السايبر الذي أجلس به خالٍ ، و أن صاحبه يجلس في الدكان المجاور ... و حمدتُ الله كذلك أن هذا لم يحدث بالبيت ...
لا أحب الشكوى ... و الأكثر ... أني أشعر بالشفقة على من أحدثه بعدما أنتهي ، لأني أتركه في حيرة و شعور بالعجز ، و هو لا يعرف كيف يتصرف أو ماذا يقول ...
و أشعر بالضيق بعدها و الشعور بالابتذال : ليس لأنني أشكو ... و لكن لأني أشكو لمن أعرف جيدا أنه لا مساعدة هناك يمكنني أن أجدها منهم : ببساطة لأنهم لا يفهمون تركيبتي ، و لا يعرفون أزراري الخفية التي يمكنها إعادة معنوياتي المرتفعة ...
و ربما لم أكن في حاجة سوى للحديث و البكاء لا غير ... و هذان ليسا بالقليل ، و ربما لهذا ذاته أشعر بالضيق ، فهي لحظات لها من الخصوصية و الحميمية – حتى و لو كانت بسبب أشياء عامة كالعمل و عدم تحقق الذات - ما يجعلها غير قابلة للمشاركة مع أي شخص ...
و أعرف جيدا أنني كلما حاولت مشاركتها ، كلما شعرت بالضيق و بإزدياد العبء داخلي لا تخففه ...
هل هذا كله بديل عن أن أقول أني أحتاجك جدا ؟ .... لا أعتقد .
صباح هذا اليوم ، خطر ببالي أنه ينبغي لي " التعقل " قليلا ً ... و الكف عن الكتابة لك ، فـ ( الحالة ) قد خفت حدتها معي ، و يمكنني الآن إسكات " فيروز" ، و إستعادة جديتي و عقلانيتي ، و الكتابة عن أي شيء في الدنيا إلاك .... فما أنتَ سوى وهمٍ صنعته لأتسلى به .... آسفة ، هكذا كان عقلي يردد..
لكني الآن أدرك بيقين أنك قادم لا محالة ... أعرف ذلك ... فجأة وجدتني أسرد لنفسي أشياءا ً كثيرة كان لديّ الحدس بها و تحققت ... أو تمنيتها و تحققت : قطعة الأرض المهجورة بقمامتها على شاطيء " بحر مويس" التي تحولت لمشتل يملأوه الزهور و الخضرة .... الطرق الجديدة التي سرتُ فيها ، فإذا بي و كأني أشق طرقاً للأحداث أن تمضي فيها ... و أشياء أخرى لا مجال لذكرها الآن ...
في بعض الأحيان ، أشعر و كأني ساحرة : أشير على البعد بعصاي للأشياء و الأحداث ، فتتشكل كما أريد .... فقط هو نوعٌ غريب من السحر يأخذ الكثير جدا من الوقت قبل أن يتحقق ... فأنا لستُ ساحرة " سندريلا" التي بدلت حالها في التو و اللحظة ، و حولت الفئران لأحصنة ، و اليقطينة لعربة ...
أنا سحري يأخذ الكثير من الوقت ليتحقق : كذلك السحر الذي أنام الأميرة مائة عام ، و جمد المملكة كلها في الزمن ... إلى أن أتاها الأمير المنتظر ليفك السحر عنها و عن المملكة بأسرها ...
أمثلتي تجلب لي قدرا من كآبة : فلربما أتيتَ أنتَ بعد مائة عامٍ حقا بعد أن أكون قد طواني النسيان - و ( حدوتة ) وجودي لا يصلح فيها تجميد الزمن أو إيقافه- ... هل هذا ممكن ؟
لا أعرف سوى أن " الزمن" فكرة غامضة و مُربكة لأقصى درجة بالنسبة لي ...
ألقاكَ عما قريب - أتمنى -
سلام

الثلاثاء 10/ 2/ 2009
11:30 ليلا
ً

الجمعة، فبراير 13، 2009

بدون خيانة


" الاندحار المفاجيء ... أحد صفاتنا التي تسحقنا – أحيانا ً – دون سابق إنذار !
لا نعلم لها تفسيرا ً و لا نملك حيالها علاجا ً !
هزيمتنا تأتي منا ... و بأيدينا ... بدون خيانة ....
يتطاير العزم ... و تخور الهمم ...
نتوقف عن الحلم ... ننهار !
تتراجع ثقتنا بأنفسنا ...
تنسحق تحت ركام عصور طويلة من الخضوع ... عصور تتعملق أمامنا فجأة صارخةً فينا أننا لن نقدر .. لن ننجح !
و نصدقها .. و نجد أنفسنا منهكين .. متعطشين للهدوء و الأمان ..
-------------------------------------------------------
---------------------------------------------------------
الاندحار المفاجيء ... الشحن الذي يفرغ فجأة لنفيق و نجد أنفسنا كأننا كنا في حلم ! لا ندري أحقا ً فعلنا ما فعلناه ؟ و كيف فعلناه ؟ و كيف نستكمله ؟ "

من رواية " الغزو .. عشقا ً "
لـ نجلاء محمود مِحرِم

الأحد، فبراير 08، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 5


عزيزي :


ذهبت إلى مكتب السفريات ... اجتزتُ المقابلة ... و عرفتُ أني على رأس القائمة التي سيتم إرسال أوراقهن للسفارة للحصول على التأشيرة ... و وجدتُ أن أحد الأبواب المواربة الكثيرة قد انفتح فجأة أمامي ، و عليّ فقط أن أقرر عبوره ...
عرفتُ تفاصيل العمل هناك ...
و على الرغم من تأصل يقين فكرة السفر داخلي ، إلا أن هناك ثمة عزوف داخلي عن العبور من الباب الآن ...
تعرف ... ليس جبنا أو خوفا ... ليس لقلة الراتب النسبي – كما علق البعض على الأمر - ، ليس لذلك المبلغ الذي ينبغي دفعه في البداية – مع كثرة حالات النصب هذه الأيام - ، ليس لأنها أول مرة أركب فيها طائرة ، فالموت لا يحتاج إلى وجودي بالسماء ليقتنصني ، و الموتُ في الأعالي لن يفرقه سوى أنه بدلا من أن يبكيك ذووك وحدهم ، فسيأسف لموتك عددٌ أكبر من الناس لدرامية الميتة و إنتشار خبرها .
و بالطبع ليس إنتظارا لك J ، فأنا أعلم تماما – كما تعلم أنت – أنه ثمة مكان محدد و زمان محدد للقيانا ، و إن حُجب عنا الآن / و كأني أضعتك في لحظة سحرية ما في بدايات الوجود أنتظر حدوثها ثانيةً لأستعيدك /
فقط ... استوقفتني عبارة الرجل :
" سأقدم لكم عملا في الفترة المسائية أيضا بأجرٍ إضافي ... أنتن ذاهبات للعمل ، و ليس للكسل ".
سألتُه عما إذا كان يمكن الاعتذار عن تلك الفترة المسائية ، و المكوث في السكن للقراءة أو الراحة أو لأي شيء...
" لا يحق لإحداكن المكوث في السكن إلا لوقت النوم ... حتى لو مريضة أو تَعِبة ، هاك العيادة يمكنها الإستراحة بها "
هكذا رد ....
و هكذا إنهار مخططي العظيم و دافعي الأساسي للسفر : وقتي ملكي أتحكم به كيفما أشاء خارج ساعات الدوام الوظيفي ...
و تخيلتُ نفسي و هي تتحول إلى آلة لا تفعل شيئا ً سوى العمل و تجميع المال و النوم في آخر اليوم ... و انس بعدها كل ما قلته عن التجربة و الفهم و الإدراك و التوحد بالذات ، و عن المشاريع غير المكتملة التي أنتظر الإخلاص لها و التركيز عليها ... ( فأين الوقت الذي سيسمح لي بذلك ؟ )
هو نوعٌ آخر إذن من السُخرة المستترة تحت مسمى التعاقد على عمل .
لا تبتسم هكذا و تشي عيناك بما يدور بفكرك : فلستُ مترفةً يا عزيزي ، و لستُ في غنى عن المال أو أدعي ترفعا عليه ... بل تتراكم إحتياجاتي و طموحاتي و تطول القائمة بهما ... يصيبني الضيق و الاختناق أحيانا ً لقلة ما تبقى من مرتب لا يُسمن و لا يُغني من جوع ، و يمنعني الحياء و الكرامة من أن أمد يدي لآخذ نقودا ً من أبوي إلا تحت بند السلف الذي أعمد إلى محاولة تسديد قشور منه بين الحين و الحين – لا أعرف صراحة ً من أين تأصل داخلي ذلك الشعور بالإستقلالية و الإستغناء - ... و أؤمن جدا بمقولة "نوال السعداوي " تلك :
" يفقد الإنسان كرامته حين يعجز عن الإنفاق على نفسه "
و تلك المقولة الأخرى : " لا يملك قراره من لا يملك قوت يومه "
ذلك ليس للأمم و الأوطان فقط ... بل للأفراد في المقام الأول ... أو لا يتكون كل بلد من عدة أفراد ؟
- و كما هي البلد – يتكون مصير الفرد من عدة قرارات كثيرا ما يؤثر بها مدى إعتماده على من حوله ؟
لكني ببساطة لن أسمح لي بأن أشعر بسعة و يسر الحال أمام أن أفقد ذاتي و حريتي و لذة إستمتاعي بالحياة و الأشياء و بهجتي بها ... ثم أني لستُ متضررة و يائسة من البلد إلى هذا الحد ...
منذ عدة أيام ، شاهدتُ برنامجا بين مجموعتين من المتسابقين : مجموعة إنجليزية و أخرى أمريكية ..
فكرة البرنامج حقا ً غريبة و مبتكرة : زودت الشركة ( الإماراتية ) الراعية للبرنامج و المسابقة الفريقين المتسابقين بسيارات ... و على كل فريق إستغلال السيارات التي معهم – بأية طريقة ممكنة – لكسب أكبر قدر من المال خلال يومين . و الفريق الفائز هو من يكون مكسبه أكبر من الفريق الآخر ...
تتبعتُ بشغف مساعي الفريقين ، أفكارهم المختلفة و خططهم – ما نجح منها و ما فشل – لاستغلال السيارات : تنظيم رحلات سفاري للآخرين بها أمام مبلغ من المال ... إستغلالها في التسويق لمنتج معين ، و تصوير دعاية بها لإحدى الشركات نظير مبلغ معين ... إلخ
ما لفت إنتباهي حقا هي تلك الفكرة الجوهرية في البرنامج :
كيف تخطط لتستغل ما لديك بالفعل – أيا كان ، و مهما يكن ما ينقصك – لتحقيق أكبر قدر من الفائدة أو الكسب خلال فترة زمنية محددة ..
و صدقني يا عزيزي ... بدأت أعيد حساباتي ، و أفكر في كل ما هو ممكن تحقيقه بما أمتلكه بالفعل ..
أعتقد أن هذا بديل أفضل من أن أُلقي بذاتي هكذا خارج حياتي ... فأنا لم أجد هذه الذات ملقاة في الشارع ، و تعبتُ حقا حتى أوصلتها إلى نوعٍ من السلام .


سلام :)

السبت، فبراير 07، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد4


عزيزي :


لم أضعك في الحسبان عندما كنتُ أُقلِب وجوه الأمر ... أعترف...
لم أفكر جديا ً في مدى إحتمالية أن أقابلك خلال العامين القادمين عندما كان عقلي يردد بإصرار و ثقة :
" سأسافر ... يجب أن أسافر "
لم يكن عقلي وحده في الواقع ، بل روحي تشتاق السفر ... الوحدة ... و إتحاد مع الذات لا يشوبه مقاطعة أو تدخل من أحد .
تشتاق المعرفة كذلك ... و المعرفة لا تأتي إلا من التجربة ... تجربة الابتعاد التي تجعلنا أكثر فهما ً و أكثر إحتكاكا ً بمعاني الأشياء و جوهرها : الوطن ... العائلة ... الغربة ... حقيقة الذات ...
ذهبتُ لمكتب السفريات و لديّ يقينٌ غريب بأن الطريق مفتوحة أمامي ، و كان عقلي يرتب مع نفسه الكتب التي يمكنني أخذها معي ، و مشاريع الكتابة غير المكتملة التي يجب التركيز على أحدها هناك ، و ماذا يمكنني أن أضع في حقيبة يدي لأتسلى به في الطائرة ...
كانت صورتي واضحة تماما في مخيلتي و أنا جالسة بإستقرار في الطائرة ، صوت فيروز في أذني ، بينما فضولي يتنقل بي ما بين مشهد البلدان من نافذة الطائرة ، و الكتاب الذي بيدي ، و العلكة التي بفمي و أنا أختبر هل فعلا يمكن لها تقليل الضغط الجوي على أذني – كما قرأتُ يوما - ، و القرار بإستكمال الحديث مع الجالس / الجالسة إلى جواري أم لا ، و ربما عدة ملاحظات أو إكتشافات صغيرة تطرأ على بالي فأبتسم لها و أسرع بتدوينها في مفكرتي ، و ربما إبداء حماس ما أو طمأنة ما أو ثقة ما أو فرحة طفولية لأن جواز سفري قد مُنح – أخيرا ً – أول تأشيرة و ختم عليه ...
أتذكر الآن فقط – في حضورك – ذلك الفيلم لـ ساندرا بولوك ... أعرف أنك – إذا ما كنتُ شاهدته – قد عرفت ما أقصد ...
نعم ... فيلم : ( بينما كنتَ نائما ) ( While You Were Sleeping )
عندما أهداها حبيبها في نهاية الفيلم أول تأشيرة لها على جواز سفرها ...
لكن ، أتعرف ؟ أعتقد أن هناك أشياءاً بعينها لا يجب أن يهديك إياها سوى شخصٍ واحد : هو أنت ...و على رأسها بدايات تجارب كتجربة السفر و الحياة معتمدا على ذاتك وحدها في بلدٍ غريب .
- بالطبع هناك الكثير من الأشياء التي أتوق لخوض تجربتها معك – لكن هناك طرقا ً يجب أن تسيرها وحدك ، تجرد سيفك ، تتلفت محاذرا بينما تُعلم خطواتك و صوتك تلك الثقة و تلك القة و المغامرة لتعلو أصواتهن على إرتجافة قلبك الأصلية و وهنه ... تترصد إشارات الكون و تقلباته و أنت وحدك ... تواجه الحين بعد الحين المرايات و صورة ذاتك فيها ... خائفاً مرة ؟ خاضعا مستسلما مرة ؟ مجابها صلبا مرة ؟
أعرف أنك تفهمني ...



سلام

الجمعة، فبراير 06، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 3


عزيزي :

أشعر بكآبة تشتد حدتها يوما ً وراء يوم و أنا أنظر للسماء فلا أجد غيمةً واحدة ، و أستشعر الهواء ساخنا ً رطبا ً ... في عز أيام الشتاء لا أجد إلا أياما ً صيفية تماما .
أشعر بالافتقاد الشديد للشتاء ... انتظرته كثيرا ، و فات موعد قدومه منذ زمن ، و لم يأت ..
أنظر للسماء الصافية من فوقي ، فأشعر بالرعب : هل ما عادت السماء تكترث بنا أو تبالي ، فصارت صحوا ً دائما بعدما أدارت ظهرها لنا ؟ لماذا تجفونا هكذا و لا ترسل إلينا ما يصلنا بها : المطر ؟ هل أتى آخر الزمان حقا ً فإنقلبت الأشياء على أعقابها لتظهر غير طبيعتها ؟
الكرنب و القنبيط صغيران ، و ثمة إحباط يجهد أوراقهم ، فلم يُسق أيٌ منهم بماء المطر بعد ... أفتقد ملمس حباّات الندى الرقيقة داخل الأوراق ...
أسأل أمي عن الفول الأخضر ، فتخبرني أن أعواده لم تَنْمُ إلا يسيرا ... فهو محرومٌ من ماء المطر ...
أشعر بالإعياء أنا أيضا ... و كذلك روحي تشعر .
أيقظتني الحرارة و الرطوبة فيما قبل الفجر بقليل .... بكيت كثيرا ً و لم أنم ... و أدركت كم أنا ضعيفة ... جاهلة ... خائفة ... و جبانة ...
نعم ... خائفة من النهاية ، و أنا لا أرضَ لي أثبت عليها قدميّ .....
و افتقدتك كثيرا ً جدا وقتها ...
دوما ً ما تتحمس أمي لذهابي لفرح إحدى زميلاتي أو إنجابهن ... و دوما ما تسألني بعدها : ألا أغار منهن ، فأتحمس للزواج و الأطفال ؟ ألا أفتقد أن يكون لي بيت و زوج و طفل أو طفلة ؟ ألن أشعر بالوحدة بعد ذلك ؟
لا تعرف هي أن مثل هذه الأشياء تمر عليّ كواجبات إجتماعية غير جديرة سوى بإستدعاء الشعور بالرتابة من داخلي ... لا تعرف أن أقسى وحدة هي تلك التي يشعر بها المرء مع آخرين لا يفهمونه ، و الأمَّر أن يكون مضطرا ً لتحمل وجوده الدائم معهم ...
لا تعرف أمي أني فقط أفتقدك ...
أفتقد أن أتحدث بما يخطر ببالي تجاه كل شيء فأجدك هناك ... تفهمني ، تتحدث معي ... و نصل سويا ً لبر الأمان ، و ليقينيات ما دونما إدعاء أو كذب أو تجمُّل أو خوف ...
أفتقد أن أبكي بحرية و إطمئنان ، دون أن يراقب أحدهم بكائي أو يتقول عليه ما ليس له علاقة به ...
أفتقد أن أتبادل الأدوار معك : فأكون صغيرتك حينا ، و تكون صغيري الذي يسعدني إحتواؤه و التربيت عليه حينا ... و نقف على أرض المساواة و الصداقة في أحيان أخرى ...
كما أفتقد مطرا ً يمكننا السير تحته و الابتهاج به .
عزيزي ... حقا ... أفتقدك افتقادي للشتاء ، و أفتقده افتقادي لك .
سلام

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 2


عزيزي :


في ذلك اليوم قال ذلك الدكتور في تلك الندوة كلاما ً جميلا ً جدا ً عن الحرية ... و عن أننا لسنا أحرارا ً و لا نعامل الآخرين بمنطق الحرية في حين أننا ندعيها ... و حتى في الحب فإننا نتوقع ممن يحبوننا أن يتنازلوا عن خياراتهم ، و تفضيلاتهم لأجلنا ، و أن يذبحوا حريتهم و فرديتهم قربانا ً لمعبد الحب – لم يقل هذا تماما ، لكن فيما معناه –
و بعد أن خرجنا أنا و صاحبتي من هناك ... مضينا في مديح ما قال ، ثم توصلنا إلى أن معظم من يتحدثون كلاما ً جميلا ً عن الحرية ، هم أول مدنسي حرمها ، و هم أول من يتوقعون أن يدور الآخرون في فلكهم !
و بالطبع ، قمنا بتطبيق بسيط سريع على ذلك المتحدث نفسه ، لنكتشف صحة ما في كلامنا .
أتعرف أني أخاف من نفسي كثيرا ً عندما أكتشف أنها تقع في نفس المأزق ؟
المشكلة الحقة يا عزيزي هي أننا نقتنع بالأفكار نظريا ً ، نعجب بها و نخر لها ساجدين ، لكننا وقت الاحتكاك الحقيقي بالحياة نجد أن مكتساباتنا الحضارية من فكر أو مدنية أو تصديق لأمرٍ ما تسقط عنا فجأة ، لنجدنا نحتمي ببدائيتنا ضد ما يقف بالمرصاد لبقائنا و تسيُدنا سواء المادي أو المعنوي أو النفسي ... و كلٌ منا يفعل هذا بطريقته .
فكرتُ في هذا كله بعدما أنهيتُ إليك خطابي السابق ضد ما أسميتُه " تقيداً " ، " افتعالاً " ، " عبئاً " ... و بالطبع تمكث في كفة الميزان الأخرى كلمة ضخمة براقة اسمها " الحرية " ... و يحاوطها ( محبشات ) أخرى من " التلقائية" ..." الصدق" ... " الاستقلالية " ... " المباشرة " .... إلخ إلخ
ما أعذب رنين الكلمات !
و ما أشد الاعتقاد بالإيمان بالأشياء أو الأفكار أو المعتقدات ، فإذا نادت – لا أعرف ما إذا كانت الحماقة أو الحكمة ، لا أعرف أيهما بالضبط – بالاقتراب قليلا ً ، و بالتفريق بين الاعتقاد النظري الفكري المحض بصحة الأشياء أو خطئها ، بوجودها أو عدمها ، و بين "الإيمان" الحق الذي هو إعتقادٌ حقيقي يُبنى عليه التصرفات و المواقف ... الصمت و النطق ... الجد و الهزل – مهما تكن الظروف - ... سقطت الأفكار من عليائها ، و صار الإنكار لها و الإعراض عنها ، و التساؤل في دهشة :
" كيف كنتُ أعتقد نفسي بهذا الإيمان ، و أنا على هذا الاستعداد و على هذه الدرجة من الإلحاد ؟ "
و هاأنا ذي أُكرر أخطائي :
فأعدك بالحرية ، باللاعبء ، اللاقيود ، اللالوم ، اللاعتب ... و أنت بالنسبة لي لستَ أكثر من فكرة مجردة بعد ، قد تحتمل التكذيب أو التصديق ...
فكرة لا أعرف كيف ستكون علاقتي بها عندما تتحول إلى واقع ... هل يمكن أن أغار ؟ أن أغضب؟ أن أشعر بالهجر أو الوحدة أو الفقدان أو أني نفسي نوعٌ ما من العبء عليك – تلك المشاعر التي عرفتها جيدا و أعرف كم هي مؤلمة و مميتة - ؟
ألم أقل لك أني أشك في أعراض فصام أو هستيريا ! J
المهم ....
/ هي لازمةٌ لا أكثر ، لا تصدق أن هناك شيء أهم من الآخر ، فكل الأشياء لها نفس الدرجة من الأهمية ، هي فقط النسبية التي تجعل شيئا ً ما مهما في وقتٍ ما و ظروف ما ، و لا أهمية له على الإطلاق في ظروف أخرى /
ألقاك على خير . ( ألم أقل أنها كانت لازمة لا أكثر ؟ )


سلام

الاثنين، فبراير 02، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 1


عزيزي الذي لا أعرفك بعد :

" وقِلت بأكتب لك .. هيك كانوا بيعملوا العشاق "
أتأمل علاقتي العبثية بك – هذا إن لم تكن كلمة " علاقة " في ذاتها هي منشأ العبث بالأساس - ، فأحجم كثيرا عن الكتابة لمن لا أعرف له ملامحا ً ، و لا صوتا ً ... لا أعرف كيف ربما يفكر أو بأي شيء يؤمن / أو ما عاد يؤمن / ... لا أعرف كيف يبدو عندما يغضب أو يفرح ، ماذا يجذبه للحياة ، و ما الذي يرده عنها ... كم عمره ، ما هي عاداته ، متي سألتقيه ، أين ، و كيف ؟ ... ما اسمه ...
أتعرف أنها عقبة كبيرة جدا ً أن أكتب لك و أنا لا أستطيع مناداتك باسمٍ بعينه ؟
بل ، و أنا لا أعرف ما الذي قد يجذبني إتجاهك أو يجذبك إتجاهي ... لم أعد أستطيع تخمينا ً ... صدقني !
لو تذكر – بإعتبار ما سيكون عندما ألتقيك طبعا ، فاستعد بتكوين الذاكرة منذ الآن J - أحد معارفي الذي نصحني من قبل أن أجلس لأكتب صفاتك ، و كيف أريدك أن تكون شكلاً و موضوعا ً ، و بالطبع كان واضحا ً أني لم أعد أحب اليوتوبيات !
أو ربما تعارضت الفكرة مع شيء ملازم لفكرة الحب : أن تتقبل من تحب كما هو بكل ما فيه من مزايا و عيوب .
كنتُ أردد على نفسي هذه الجملة كثيرا ً فيما مضى : عندما سعت إلى الحب ، ثم حاولت تجنبه فسعى هو إليها :
" أنا أتقبله بكل ما فيه من مزايا و عيوب " ... كانت نفسي تقولها بثقة كلاميا ً ، و تنهزم داخلها و تتقهقر يوما ً وراء الآخر ، لتقودها الهزيمة إلى إكتشاف جدير بالاعتبار – بل بإعدة الحسابات :
" أحببتُ فيه كذا و كذا ، و رفضتُ فيه كذا و كذا "
لأكتشف أني أنا نفسي لم أكن أتقبل نفسي من الأساس ... كنتُ أرفض تشتتها ... تناقضاتها .. نقائصها و مخاوفها التي تعرفها جيدا و تخشى إنفضاحها و تلك الأقنعة التي اكتشفتُ أنها تضعها بإتقان لا يشي بحقيقتها .
اكتشفتُ يا... يا من لا أعرف لك اسما ً بعد – أني لم أكن أعرف نفسي حقا ً ...
لا تصدق – بالمناسبة – من قالوا بأن "نارسيس" عشق صورته في مياه البحيرة ، و أنه لهذا عاقبته الألهة فحولته زهرة نرجس حزينة / و أنانية / هناك ! هو فقط ذهلته أشياء رآها وحده في أعماقه متبدية على وجه صورته .
لا أعرف أيبدو بائخا ً أن أبدأ خطاباتي إليك بهذا الكلام ؟ و هل سيبدو سخيفا ً إذا ما اعترفتُ لك أنه كانت تردني عن الكتابة إليك تلك العقلانية المُحللة و التي كانت تقول لي أني لا أفعل سوى أني أُخاطب نفسي مدعيةً أني أوجه الحديث لغيري ، و أني أتمادى في الادعاء ليكون هذا الآخر حبيبا ً متفهما ً مختبئا ً في طيات الزمن ؟
و فكرتُ أحيانا ً في أني مصابة بإضطراب نفسي ما : نوع من الفصام مثلا أو الهستريا ... و أحاول تطبيقا ً لمعلوماتي القليلة في علم النفس عليَّ بحيادية و برود غريبين ( أو ربما هما الصدق و الموضوعية في حصر الاحتمالات ) .
هل تعرف أني كنت كثيرا ً ما يأخذني حنينٌ إليك و إيمان حقيقي بأنك موجود في مكانٍ ما ، لكن هناك فارقا ً في التوقيت جعلنا لم نلتق بعد ، و أقول أنني أنتظرك ، و أتحدى الجميع مؤمنة ً بوجودك ... ثم ... يخفت الحنين و معه اليقين ، فأقول لنفسي بلا مبالاة أنك محض وهم ، أن لا وجود لك أصلا ... " و كأنك ما حدا ضايع بها المدى " و أن فكرة الحب نفسها هي فكرة ساذجة نظن فيها أننا تحررنا من الأنانية ، فإذا بنا في بؤرتها ، و إذا بنا لا نحب من الآخر إلا إنعكاساتنا فوق صفحته – لا أكثر ...
و أن تحدياتي لمن حولي ما هي إلا رغبتي المعتادة في الوحدة ، في الالتفات لرغباتي العملية في الحياة ، و أني حقا ً لا أكترث لتلك المؤسسة الاجتماعية التي إن لم تُعلن فشلها الصريح مع البعض ، فهي لا تُعلن نجاحها أبدا ... لا تعلن عن ثمة تميز أو إضافة حقيقية لمن تفتح بهم بيتا ً جديدا ً ... فقط : المزيد من الخوف ... المزيد من الكذب ... المزيد من القيود ... المزيد من الدوران في الطاحونة ...المزيد من الألاعيب... و المزيد من الهزائم النفسية .
و ثمة جملة علقت في ذاكرتي و آمنتُ بها : " كلُ ما لا يُضيف لك هو عبٌ عليك " .
امممم ... بداية غير مبشرة على الإطلاق !
أو قل ، هي بداية مبشرة جدا أن أتحدث هكذا بكل ما يخطر ببالي دونما وجل . ..
هكذا أعتقد الحب في جزءٍ كبير منه : أن تستطيع أن تكون صادقا ً و على سجيتك تماما مع من تحب واثقا ً – لا من كونه سيتفهم فحسب – بل سيكون على نفس موجتك أيضا ً – سواء قبولا أو رفضا لأفكارك – يتفاعل معك ببساطة ، و يستمتع بهذا أيضا ...جربتُ هذا الأمر في الصداقة ، و أعتقد أنه أساسٌ في الحب مضافا ً إليه بعض الأشياء الأخرى .
كنتُ أريد التحدث إليك / لا معك للأسف حتى الآن / عن أشياء أخرى ... لكني ...
امممم .... كنتُ أود القول أني هكذا أطلتُ عليك ، أو أني سأذهب للنوم الآن .... لكني أتراجع .... نعم ، فمن السخيف أن نذكر مبرراتنا أو أعذارنا لفعل شيء ما أو عدم فعله ، أو التوقف فه عند حد معين – حقيقيةً كانت أو واهية - ، فهذا في ذاته تسلل خبيث للقيود و للشعور بالعبء ... بالافتعال ... أو الملل أو الروتين ...
تذَكَرْ - عندما يخط لنا الزمن مكانا ً و حينا ً و ظَرفا ً للقاء – ألا تعتذر عن شيء فعلته أو لم تفعله بسببٍ من الأسباب ... لا تفعل إلا إذا سألتك ، و إذا سألتك فسأسأل فقط لأعرف ، لا لألوم أو أعتب / لم أعد أفعل هذا أو أفكر هكذا / فاللوم و العتب أحد مظاهر الخوف و الشك يجب ألا نتبعهما . و حينها لا أنتظر سوى إجابات صادقة تماما ، حتى لو كانت من باب :
" لم أفعل هذا أو ذاك لأني لم أُرده " ، و سألتزم أنا أيضا بالمثل – إذا لم يكن لديك إعتراض –
سلام