الثلاثاء، مايو 05، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 11


عزيزي :

أكتشف هذه الأيام أن انتظاري لك ما هو في جوهره إلا انتظار للأمن و لطوق نجاةٍ لن يستطيع غيرك منحه إياي ...
أتأمل نفسي في تلك اللحظات التي أشعر فيها و كأني أغرق في بحر من الحيرة و الاحتياج و الشعور بالإرهاق و الضعف ... أشعر بنظراتي جيدا في تلك الأوقات لأتبدى كبائسة مغلوبة على أمرها تستنجد بقوة بمن حولها و تنتظر أن يمد لها أحدهم يد المساعدة ..
فتجيب نظرات من حولي و كلماتهم القليلة الحيادية : " لا يعنينا الأمر كثيرا ... أنتِ مثيرة للشفقة بشكلٍ سخيف ... هذه هي مشاكلك وحدك ، و لكلٍ منا شأنٌ يُغنيه ....كلنا في البحر الواسع ، و على كلٌ منا أن ينتبه لنفسه و يسبح بهمه ليصل لشاطئه ، و لن يعطل أحدنا نفسه كي يعتني بأمرك ، عليكِ أن تتعلمي السباحة دون مساعدة ، و إلا غرقت ... هذا خيارك " .
أصل لقاع البحر في أحيان كثيرة ... و عندما أوقن بأنه لا أحد هناك ليرمي لي بطوق نجاة ما في كلمة ، أو إهتمام حقيقي أو نصيحة متفهمة أو في نظرةٍ مطمأنة تربت على خوفي و تهمس لي بود : " لا تخافي ... كل شيء سيكون على ما يرام " .... أبدأ في إستدعاء القوة من الأشياء ، من اللحظات الجيدة ، من محاولة التحدي و الغضب التي أواجه بها موجات البحر لأثبت لها أنها في النهاية ستتكسر عندي ، و سأركبها و أعلو فوقها ، و سيكون الانتصار لي .
نظرات من حولي من البشر تعبر بلا مبالاة فوق نظراتي عندما ترسل رسائل الوهن و قلة الحيلة ، و ربما تستهجنها أيضا ...
منذ سنوات كثيرة مضت ، فوجئت بمدرب الكاراتيه يصيح بي في إحدى المرات بغيظ : " كفي عن نظرة الاستضعاف و قلة الحيلة تلك ... لن تستطيعي فعل شيء أو التغلب على أحد و أنتي تنظري هكذا "
هل ساعدتني كلماته ؟
ربما يكون لها بعض الأثر عندما أصل لقاع البحر ، فأذكر نفسي بأنه لا سند لي في هذه الحياة سوى ذاتي ، و سوى أن أكون قوية و عنيدة ، و ألا أنتظر شيئا من أحد سوى مِنِي ....لكن كلماته أبدا ً لم تستطع إنتشال شعوري بالغربة و التوهة و الإنعزال أو الشعور بالخجل و أنا أتدرب في مجموعته ، و لم تستطع منع تلك الدائرة من التكرار دوما ً و لا منع نظراتي من البوح بضعفي و إستجداء طوق النجاة على فترات متباعدة ...
في حين يتحول أبواي و أقربائي - كأي عائلة طبيعية - إلى أمواجٍ هم أنفسهم ، تصيح كلماتهم و نظراتهم : " لن تستطيعي " ..." طرقك مسدودة إن لم تكن سرابية " .... " من تكوني ليتحقق لكِ ما تريدين ؟ " ... و ليس عليّ أن أتوهم منهم أمنا ً .. بل عليّ توقع زراعتهم الكثير من الشكوك و الارتياب و سوء الظن بالدنيا ، بالأشياء ، بالآخرين ، و بنفسي و قدراتي و مستقبلي ... بذورٌ كثيرة مستعدون لتنميتها و إكثارها دون أدنى نية لمحاولة التحقق أو المعرفة ... فالطريق الأسلم دائما هو أن يقف المرء مكانه : الركود و الرضى بأي أمر واقع هو أمن و سلامة في ظنهم ... و عليّ أن أستدعي ذلك المارد السحري القوي من داخلي لا ليمدني فقط بطوق نجاة أستطيع به الصمود و الصعود لأعلى قبل أن أواصل العوم ، بل ليمدهم بآلاف الأطواق الأمنية لعرائس الشكوك و الارتيابات الخشبية ...
لا أحنق عليهم في شيء صدقا ً ...
فهكذا هو الحال الغالب ، و هكذا - و أكثر - هو أمر مجتمع بأكمله لم يتعلم شيئا من الحياة سوى الخوف ، و الاحتماء بالطاقة السلبية و العمل على نشرها : الشك في الآخرين و سوء الظن الدائم بهم و بدوافعهم - توقع الأسوأ - التحبيط - الشكوى الدائمة دون أدنى استعداد لحل المشكلة - عدم الثقة بالذات - التشاؤم و السوداوية - التقاط كل ما هو سيء و التركيز عليه و رعاية بذور وجوده لينمو و ينتشر - التسلط - الجبن - إزدراء الآخرين و التقليل من شأنهم ليتوهم المزدرِي أنه الأعلى و الأفضل طالما الآخرون أدنى - اللوم و الانتقاد - التحدث السلبي عن الآخرين - عدم المرونة أو الخيال أو الحماس - فرض الآراء و الاتجاهات على الآخرين - عدم التفكير بمنطقية - و آفات أخرى كثيرة أصادفها في تفكير الآخرين و تعاملهم مع الحياة ...
أتعرف ... توصلت لنتيجة مؤخرا بأن رحلة كل منا في هذه الحياة ما هي إلا بحثٌ عن الأمن فقط لا غير ... بل ، هذا هو سعي الإنسان منذ وجوده على الأرض ...
قد يجد أمنه هذا في علاقاته بالآخرين ، في عمله ، في الدين ، في المال ، في أي شيء يمكنه طمأنته .... و يختلف مفهوم الأمن هذا و طريقة السعي إليه عند كل منا ...
أعتقد أن أمني بشكل عام أستمده من أن أحيا طبقا لما أعتقده حقيقي و صحيح مهما يكن ، و مهما يكن رأي الآخرين فيه ... ثم تأتي نقطة أن هناك من يفهمني و أفهمه و أتواصل عميقا معه ، و أشعر بالانتماء له .... التي هي صديقتي الآن ، و أنت يا عزيزي عندما تأتي ...
بصراحة ... أعاني كثيرا عندما يصر الكثيرون من عائلتي ، و أحيانا من آخرين حولي على المجادلة بشأن ما يجب أن تفعله أي فتاة طبيعية في الدنيا : الزواج .... لا يستطيع أحدهم فهم جملتي ، أو تقدير أي أهمية لها : " شخص يفهمني و أفهمه " ...
لا تجمعنا مناسبة إلا و يعاد فتح الموضوع بشكل فضولي سخيف ، و تتكرر نفس الإغراءات التي لا تعنيني في شيء : البيت المستقل - الأطفال - الحياة الجديدة - المال - و أشياء أخرى ربما قالوها و لم أستوعب أهمية أو أولوية لها ....
يُصدمون عندما أكرر على مسامعهم أنه من الغباء و الضعف أن أنتظر من يحقق لي ما أريد من مكاسب مادية سواء كانت حياة جديدة أو بيتا مستقلا أو مالا أو متطلبات معينة .... و أنني أسعى لأحقق هذا لذاتي ...
و أنه إذا كان بالفعل كل الرجال بعضهم كبعض ، و ليس هناك من يفهم و يتفهم و يُقدِّر و يساند و يشارك - كما يقولون - فشكرا جزيلا ، لا حاجة بي عندها إلى الزواج ...

لكني أعود و أهمس لك بيقين مع فيروز :

" مش لينا الزينة و بيارق المدينة
نحنا لنا ورق الخريف
عم بيدهب مراكب الرصيف
غير إنتا و أنا
يا حبيبي اللي مالنا "

الاثنين 13 / 4/ 2009

هناك تعليقان (2):

Mustafa Rizq يقول...

يبدو الأمر أكثر تعقيدا في الغالب، هو بديهي و اعتيادي جدا من الظاهر، ومعقد جدا من الباطن، وممكن ببعض الجهد في حقيقته.

إنه تماما مثل محاولتنا إدراك سبل وحكمة الحياة...

لا أستطيع أن أدعي الصدق إن قلتُ: كوني تما تتمنين، ولا تفعلي سوى ما تحبين.

ولكني وبصدق أقول: كوني كما تستطيعين، واستطيعي كما تحلمين، ولا تحلمين بأقل من ذاتك.

* لا يمكلك الجميع ذات الأعين العابسة، ولا النظرات المهزومة وحدها.

كرانيش يقول...

كم اشعر بنفسى فى ازمه ما عندما افكر بما تفعلين
استطيع تقسيم نفسى الى نصفين

نصف يرى لك الحق فيما تفعلين
وانك قد صرتى ناضجه بالقدر الكافى حتى تتخذين قراراتك بمفردك
وانه لا سلطه لاحد على اتخاذك قراراتك طالما لم تخرج عن الدين فى شىء
ونصف اخر
يمارس نحوك دور الخائف ليس منك على الاطلاق بل عليك من المجتمع الخارجى ذاك الذى صار اكثر قسوه واكثر غباء

لكننى لا املك حيالك سوى الدعوه لك بما فيه خير
وان يحفظك الله من كل سوء


لكن لازم تبقى عارفه انى بحبك جدا
وبخاف عليكى قوى وبحبلك الخير زى ما بحبه لنفسى بالظبط

الله معك