الأحد، مايو 13، 2012

ثلاثة وجوه




تأخذني الخفة، فأشعر و كأني أسير فوق سحاب تدفعه الهواء برفق و سرعة لأصل إليه ... كانت تلك اللذة المختلسة ما بين دروس الأحياء و الفرنساوي و التي أترك فيها صديقاتي بتعجل و حماسة تُصعد الغيرة أو الغبطة إلى أعينهن ... و هن يفتقدن ذلك الظل الذي يصحب ظلهن و ذلك الشعور بالألفة و الاندفاع اتجاه آخر ...

أرقب الأولاد في المدرسة الثانوية التي تعترض طريقي و هم يقفزون من فوق السور ، لا أسوار هناك لدي سوي بعض الكذبات الصغيرة المنمقة لأمي و للزميلات المشتركات بين الدرسين اللاتي لا صلة كبيرة بيننا ...
فقط صديقاتي تبتسمن في مكر و فرحة نتشاركها و حسد مع ذلك ..

كانت البداية في محطة القطار : ذاهبة لزيارة عمتي في محافظة مجاورة – وحدي لأول مرة - ، و ذاهب لزيارة أحد أقاربه ...
و كان الإصرار على معرفة اسمي بعد تبادل بعض الجمل العادية جدا  ...
"اسمي مش أي حد يعرفه "
"اسمك الأول بس ، هوه أنا بأقولك اسمك بالكامل و لا عنوانك ؟ "
" اسمي غالي ما ينفعش يتقال لأي حد "
" من ساعة ما شوفتك و طريقة حركتك و كلامك زي الأميرات ... فخلاص مش عاوز أعرف اسمك ، هسميكي "أميرة""

ساعتان من الكلام المتواصل ... و قبل أن أفارقه، أخرجت ورقة و رسمت عليها اسمي ، طبقتها بعناية و دسستها في كفه و أسرعت بالمضي خجلة ...

أبتسم عندما أجد ذلك التكامل بين ألوان ملابسنا ... و كأننا قد اتفقنا مسبقا على ارتداء ملابسا معينة لنكون لائقين في انسجام ألواننا معا ...

كنت أصدق صديقاتي عندما كنا نمر بفتاة و شاب، فيهمسن في مكر : "الألوان متناسقة" ... كإشارة إلى أنهما حبيبان أو خطيبان ، و قد اتفقا مسبقا على ألوان ملابسهما ...

بعد أن تصدر هو الصورة ، لم أعد أصدق تلك النظرية، نظرية :"الاتفاق المسبق" ... لأننا في كل مرة كنا نرتدي ملابسا منسجمة جدا دون أي اتفاق ...

و اقتنعت إحداهن عندما صادفتنا و سلمت علينا ، ثم مالت على أذني هامسة : "الألوان متناسقة"
فرددت الهمس : "مش متفقين "


****

"أحسن حاجة في الدنيا إن الواحد يتمشى مع الناس اللي بيحبهم"

قالتها على استحياء بابتسامة ، التقطتها فورا لتترجم إلى عقلي بسهولة : "أنا أحب " ... فابتسمْت

كثيرا ما كنا نقطع مدينتنا الصغيرة مشيا  لساعات في استمتاع أنا و هن ، و نحن نتحدث عن كل شيء ...
ها هي قد وجدت من تفعل ذلك معه غيرنا ...

بشكل ما ، نعرف أن الطريق قد يطول و يصبح مملا و سخيفا إذا ما كان المرء يسير فيه مع من لا يرتاح إليه ... و يصير قصيرا و ينتهي سريعا لدرجة تضطر فيها إلى إعادة السير في نفس الشارع أكثر من مرة ذهابا و إيابا مع من تهتم لأمرهم و تحب صحبتهم .. و ما أقلهم ...
و كنا نقيس مدى إمكانية أن تصير زميلة جديدة ضمن مجموعتنا من عدمها من ذلك الاختبار الصغير:  تمشية طويلة معها ...

و من شباك المدرج كنت ألمحهما بأسفل .. تسير هي بخفة و طفولة على سور الرصيف ، و يسير هو إلى جوارها  على الأسفلت في تناغم بعد أن قطعا كل ذلك الطريق من كليتهما إلى حيث كليتنا في الجهة الأخرى تماما من الجامعة ..


***

كانت تخاف بشدة من عبور السيارات ... و كانت إحدانا تتولى مسؤلية العبور بنا ... فقط كانت تعبر بجسارة مثيرة للدهشة في حالتين: عندما تجد أحد من يهمها أمرهم أكثر خوفا منها، فتتشجع و تتولى مسؤلية أن يعبرا بسلام ... و كثيرا ما كانت شجاعة في حضور أختها الأصغر مادمنا لسنا معهما ...

لكن دهشتنا كانت أكبر عندما وجدناها تعبر الطريق بجرئة شديدة مع وجود ابن عمها الذي يقف في الاتجاه الذي تأتي منه السيارات و هو يعبر بها، فإذا بها تسبقه و تتخطى السيارات كلها بسرعة و ثقة و جرئة غير معتادة منها أبدا و تتركه خلفها بمسافة كبيرة ...

"ما بطقهوش "  "شخص لزج"

و عندما سألناها عن العلاقة ، أجابت بأن عبور السيارات بشخص هو فعل حب و حماية ... و أنها ترفض حمايته عليها ... و صارت تتوغل في نظريتها لـ "عبور السيارات" أكثر ، فتقول أن طريقة كل شخص في عبور السيارات - تحديدا عندما يعبر بآخرين -  تكشف عن الكثير من شخصيته و مدى امكانية الاعتماد عليه في الحياة ...

لم نصدق نظريتها إلا عندما شاهدناها بعد خطوبتها : خطيبها يعرج بقدمه و يمشي بها في صعوبة، تعبر به أحد الطريقين بحكمة و سكينة ... ثم يتبادلان الأماكن و تسير في ظله في صبر و قناعة و اطمئنان و هو يعبر بها الطريق الآخر ...




ليست هناك تعليقات: