الجمعة، مايو 06، 2016

مأساة الماضي


بدا عبثيا جدا وفكاهيا أن تقرأ العرافات أحداث الماضي بدلا عن أحداث المستقبل في "مائة عام من العزلة" لتلك القرية التي أصيبت بفقد ذاكرتها، واختلطت عليهم الأحداث والأشخاص والأشياء..
لكني أدهش وأنا أكتشف هذه الأيام أننا بالفعل لسنا في حاجة لمن يتنبأ لنا بما قد يحدث في المستقبل، قدر حاجتنا لمن يتنبأ لنا بما كان عليه الماضي.. خاصة ذلك الماضي السحيق البدائي الذي لا ندري عنه شيئا.. ماضي رحلة الإنسان على ظهر الأرض قبل ظهور من يدعون النبوة والوصل بالآلهة / الإله.. ثم أثناء تلك المرحلة التي لم يصلنا منها سوى ما أراده المنتصرون أن يصل، وتم طمس كل ماعدا ذلك.
أيضا لايعنيني كثيرا أين سأذهب بعد الموت، في حين أننا لم نعرف، بل لم نفكر أين كنا قبل أن نأتي للدنيا.. أين كانت أرواحنا ومن أين أتت؟ أنا على يقين أنها ستذهب من حيث أتت..
غموض كثير يحتاج نبشا في أراضي ماضيه، لأن الماضي هو ما يفسر الحاضر ، وهو ما يصنع المستقبل بشكل ما، ومازلنا ندور في فلك الماضي الذي لانعرفه إلا تكهنا وتحيزا – كأرواح ، كبشر ، كمصريين حتى ..
فمثلا فكرة التدين المظهري وممارسة الفساد كطبيعة تلقائية داخلية لدينا (حكاما ومحكومين، كلٌ في سياق حياته العملية والشخصية) ، يعود إلى كل سنوات، بل قرون الاحتلال التي كنا نحاول تغلبا عليها بإدعاء مايريده الحاكم والآخرون أيا كان وكانوا، وفعل ما نريده في الخفاء .. (مسك العصا من المنتصف) ... (طظ) التي كان يتهرب بها المصريون من دفع الضرائب على البضائع مدعيين أنها ملحا ... تتراكم التفاصيل لتصنع نفسية شعب وطريقة حياته على مر العصور...
كما تتراكم التفاصيل التاريخية والاقتصادية والسياسية والدينية لتحيط معاصم وأعناق النساء، وتحيط معاصم وأعناق رجالهم وإن بدرجة أقل نسبيا ... لتصنع حياتنا نحن شخصيا في قرننا الحادي والعشرين وإن ادعينا الحضارة أو التقدم أو أننا غير أسلافنا القدامى، لكننا في الواقع نحمل تراثا ثقيلا جدا تتسع تفاصيله، ونفقد ربط النهايات إلى بداياتها، أو رد الأشياء لأصولها الحقيقية، فنحيا بتفاصيل ونفسية وعقلية غير واضحة ولا مرتبة ، بل تشوهت فيها الأفكار، وتراكمت طبقاتها وتعفن بعض أجزائها وانحشر غير المتسق منها معا، وبتنا ندعي أننا أكثر تقدما وحكمة ممن ذهبوا، بينما نحن أكثر تخلفا منهم، لأننا كائنات شائهة لاتعرف لماذا أصبحت كذلك، ولا لماذا تفعل هذا الشيء أو ذاك أو ما الذي تؤمن وتصدق فيه حقا ، وما الذي تردده بلسانها وكأنه يقينا دون أن يصدقه عقلها أو قلبها حقا ..
جرعات مخدرة قوية أعطاها لنا الساسة القوادون ورجال الدين المنتفعون والتجار الذين صرنا بضاعة لهم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، فلم يعد ينبض لنا عقل أو قلب إلا قليلا.
أعتقد أن الجنس البشري يحيا في مأساة كاملة، لكنه لايستطيع رؤيتها لأنه مغموس داخلها بالكامل.

ليست هناك تعليقات: