الثلاثاء، يونيو 08، 2010

صانع العرائس


هو لا يختار بالضبط... فقط: تلك الأكثر إلحاحاً و تواجدا و إصرارا هي من تفوز بنظره إليها.
هكذا يبدأ عمله دوما: يغرس عينيه بعينيها، بكل ركنٍ و كل جزءٍ فيها؛ حتى يقتنص نظرتها و حركات جسدها . ثم، يبدأ تلمساً و صنفرةً لكل أجزائها بعصاه السحرية.
نظرة.. فتفوتة..و ورقة توت تنقص البنت، ثم نظرة أخرى.. فتفوتة أخرى و ورقة توت، ثم فتفوتة مع نظرة و ورقة توت.. ثم ورقة توت و نظرة و فتفوتة. *

يسجن كل ما جمع في زجاجة سحرية شفافة و لا يبين فيها شيء مع ذلك ، و بمنشاره يسوي جسد البنت كما يتراءى له. بعضٌ من دماء، بعضٌ من وجع، لكنهن يبتسمن. قد تتغير الابتسامة بعد إكتمال التحول إلى عروسة سحرية مكتملة الصنع تُشدِه الآخرين و تصبح محل إعجابهم و محاولات إقتنائهم.

مبهورةٌ بهن جميعا و بلمسته الساحرة لهن، كانت تطوف حوله. تناوله ألواناً ، أو حبة بندق، أو منديلاً يمسح تعرقه أو دمعه أو ملله الغاضب. أو تخبيء من أمامه الأشياء أو تجذبه من كمه مشاكسةً عله يلتفت إليها و يحولها هي أيضا إلى عروسة مسحورة، فيعطيها نهداً أو اسماً أو غوايةً أو قاعدةً تحملها و تدور بها أو تنورة قصيرة دائرية و جسدا رشيقا و موسيقى تحملها على أطراف أصابعها لتدور بها حول العالم كله، أو تحديا غاضبا بالعينين مانعاً مانحاً و مُقرباً مُبعدا في نفس اللحظة
أو إنكسارة موجوعة بهما تعطي حنينا و دفئا مختلطان بالألم.

ترقبهن في صمتٍ واحدةً واحدة.. و هن تتهافتن حوله في مرح و دلال و سعادة، و كلٌ تمني نفسها بأنها ستكون أفضل عرائسه و أحسنهن حظاً و أتقنهن صنعا ، و أنه سيمنحها وحدها لمسة سحرية جديدة لم تكن بإحدى عرائسه قبلا.
كان يمنعها إصراراً على محاولاتها الطفولية للفت إنتباهه عدمُ تيقنها من أنها ستصبح أسعد حالا بالتحول حقا لعروسة مسحورة. تنظر إلى الفتيات و هن تتحولن إلى عرائس: أوقاتا في غيرة، و أخرى في شفقة و تألم، أحيانا في حزنٍ أنها ليست مكانهن ، و أحيانا في رضا و سعادة لنفس السبب. لكنها، كانت تسرق إبتساماتهن خفية ثم تعيدها، أو تقلدهن خفية بعدما صرن عرائسا سحرية، فتقف على أطراف أصابعها، تسرق موسيقاه المسحورة، و تظل تدور عليها إلى أن يهدها التعب.
اللحظة الوحيدة التي رآها تدور فيها و خطر بباله أنها ستكون عروسة سحرية جيدة الصنع جدا ... بل قرر فعليا أن تكون أفضل عرائسه على الإطلاق، أدركت هي فيها أنها لا تريد أن تنقص نظرة أو فتفوتة أو ورقة توت .. و أنها لا تنتمي حقا لعالم العرائس ، حتى و إن كانت عرائسا مسحورة.
===========================
* (عن قصيدة: "بأتجوز على كل ناصية حارة" لـ هشام الشرقاوي :
" و البنت بتنقص فتفوتة.. أو نظرة.. أو ورقة توت" )

هناك تعليق واحد:

shymaa يقول...

نفسى فى عروسة من دول:)