الخميس، مارس 05، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 9

عزيزي :

أتذكر الآن صدمتي الأولى في إكتشاف طبيعة ذلك الإعلان منذ حوالي الثلاث سنوات ، فأضحك لسذاجتي و جهلي بطبيعة الأشياء في عالمنا هذا ، و بخاصة في مجتمعنا العربي الفاضل ...
أتذكر جيدا فرحتي و دهشتي و شغفي عندما شاهدتُ ذلك الإعلان الذي ترعاه شبكة الإم بي سي ( mbc ) : مسابقة الأحلام ... أكبر مسابقة عربية ... شاهد أحلامك تتحول إلى حقيقة ... إتسيتيرا ... إيتسيتيرا ...
كانت الإعلانات آنذاك تتحدث عن المسابقة دون تحدث عن طبيعتها ... و بالطبع و لأن توأم روحك ساذجة و طموحة و خيالية ، راحت ظنوني وقتها إلى بعيد جدا ً ، فخلتُ المسابقة مسابقة ً حقا ً بين كل من لديه مشروع يتمنى تحقيقه ، أو فكرة مبتكرة يود رؤيتها تتجسد ، أو اكتشاف أو بحث علمي مثلا يود تحويله من حيز الدراسة إلى حيز التطبيق ؛ و أن الإم بي سي سترعي ما يصلح من هذه الأفكار و الأحلام و الشاريع و تتبناها بالتمويل و الخبرة المناسبة ليحقق الفائزون في هذه المسابقة / ( صاحبو أفضل الرؤى و الخطط بالطبع في خيالي ) / أحلامهم التي يعمد الواقع و الروتين و الإحباطات المختلفة إلى إجهاضها ...
و استبشرتُ خيرا ً كثيرا ، و شعرتُ بالإمتنان للعالم : ففيه مازال أُناس يفهمون ! و بلدنا مازالت بخير ، و .......
و بالطبع أسخر من نفسي كثيرا كلما تكرر ذلك الإعلان السمج هذه الأيام : " أرسل كلمة " دريم " أو "حلم " لتتحول أحلامك إلى حقيقة " / " حققت "فلانة" حلمها و حصلت على "بيت" " / " حقق "فلان" حلمه ، و حصل على سيارة " ...
الإم بي سي : نسخة القرن الحادي و العشرين إذن من مصباح علاء الدين !
إدعك أرقام الموبايل لتخرج لك الإم بي سي : و ... شبيك لبيك ، تطلب إيه !
و هي في هذا ليست بدعة أو نمطا ً جديدا ً ، لا على الإعلانات المشابهة التي تقول لك إطلب الرقم الفلاني لتكسب عددا ً من آلاف الجنيهات ، أو تلك الفوازير الساذجة التي تغطي عورة غبائها بورقة توت ، بل ، هي ليست بدعة أو نمطا ً جديدا ً على بلدان بأكملها اكتشفت مصباح علاء الدين الخاص بها في حقول بترول نقلتها مرة واحدة من "علاء الدين " الفقير إلى " علاء الدين " الأمير ، بلدان إقتصادها إقتصاد ريعي في المقام الأول – كما يسميه د.حازم الببلاوي - ، يعتمد لا على الذكاء أو الخبرة أو الجودة أو بذل مجهود ، بل على وجود ملكية ما ثابتة و الاستفادة بما تدره هذه الملكية على صاحبها من مال ، دون فضل منه سوى إمتلاكه لها : بإختصار لأنه يملك المصباح السحري ...
و بالطبع ، صار المصباح السحري الذي يحقق المتطلبات المادية للحالمين به هو الطريق الوحيد المأمول ... و صارت الأحلام مختصرة في الشقة أو الفيلا و السيارة ...إلخ ، التي تهبط عليهم من السماء ...
من الطبيعي جدا أن يحلم كلٌ منا بمتطلبات و إنجازات مادية ، و بمستوى معيشي مرتفع ، هذا رائع ، و أحلم به شخصيا ... لكن أن يكون هذا هو كل شيء .... أن تصير أحلامنا ، و يصير وجودنا في هذه الحياة مجرد سعي للطعام و الشراب و الملابس و الاكسسوارات الأخرى ، بل ، و في الواقع ، سعي لـ " إستهلاك" كل هذا دون تقديم شيء أو إنجاز يثبت إنسانيتنا ، فهذه هي السماجة بعينها ...
المشكلة ربما كانت في أني ظننت الإم بي سي الاختلاف و التميز عن ما هو قائم .... خاصة و أنا ألاحظ إتجاهها نحو تنمية الإبداع ، و أخذ الأمور بجدية : انظر مثلا لمسابقة أفلام الموبايل القصيرة تلك ، و التي فتحت منفذا إبداعيا لمواهب مميزة حقا ، و لأفلام قصيرة جيدة ...
تعرف ... ربما تكون المشكلة الحقة فيّ أنا : فها أنا ذي أُكمل انشقاقاتي عن تراثنا العربي الذي يعتد بعلاء الدين و يضعه في زمرة الخيرين ، فضلا ً عن وضعه في زمرة الأبطال ...
و ها أنا ذي أزدري المصباح السحري ، و خاتم سليمان ، و عصايا الساحرات جميعها ...
أنا ساذجة جدا يا حبيبي تعتقد أن السحر الحقيقي بداخلنا ، و ليس خارجنا ...
و حتى لو قالوا لي : انطقي بكلمة "حلم" لنحضر لكِ كل ما تتمنيه و على رأسهم من تنتظرينه و تشتاقين له جدا جدا ، لنظرت لهم بإستخفاف و أغلقت في وجههم الباب ؛ فحتى أنت : لقائي بك يعتمد جدا على أن أكون نفسي و أمارسها بكفاءة و صدق ... أحررها من مخاوفها ، و أحرر منها طموحاتها و أمانيها .... يعتمد جدا على أن يكون كلٌ منا نفسه حتى آخر قطرة في ذاته ، ليستدل كلٌ منا على الآخر ، و ليعرف كلٌ منا الآخر .


كن بخير ، و كن أنتَ .
أتوقع لقائي بك
سلام