السبت، مايو 30، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 14


حبيبي :

دُهشت بشدة حينما وجدتنا - أنا و أنت - متناثرين بين ثنايا رواية ... وجدت كلمات خططها لك من قبل ، وجدت انتظاري ، بحثي ، التقائي بمن يحملون ملامحا ً منك ... يشبهونك ، لكنهم لا يكونوك ... و كأنهم في ذواتهم رسائلاً أو علامات على وجودك و على التقائي بك يوما ً ..
أُدهش الآن أيضا لحالي : أصادق على تصرفات القدر مهما كانت مدهشة أو عجيبة للآخرين ... أتعامل معها بإعتبارها الشيء المنطقي و الطبيعي ... أعرفك و أنتظرك دون أن أقابلك يوما ً ، و أراه شيء طبيعي و منطقي بالنسبة لي ...
أرى بعضا من أشباهك ، فيميل القلب إليهم قليلا ً و تنفتح الروح و تأتلف ... لكني أدرك منذ الوهلة الأولى أني إنما أتشوفك فيهم لا أكثر ، و أرتقي إليك خلالهم على سلم المحبة ... فأُعلم القلب أن يحترس ... أن يحفظ المسافات و يحترم الإشارات ...
أتفهم ، أتقبل ، و أرى النظام و الطبيعية في أيٍ مما يحدث ... لكني صدقا ً لا أعرف لم أُخذت عندما وجدتنا بين أرجاء تلك الرواية *1 ، هل أُدهش من السحر في الأدب في حين أتعامل معه بإعتيادية في الحياة ؟
ألقتني الرواية كذلك في شجن إفتقادك ... هل تعب قلبي الآن دليلٌ هو أيضا ً على قرب الوصول ؟
هل لا تُرتجى السماء *2حقا ً إلا حين إقترابنا من اليأس في أن تفتح أبوابها ؟


الأربعاء 20 مايو 2009
1.15 ل



1* رواية "العاشق و المعشوق " لـ " خيري عبد الجواد " .
2* عن " البردوني " ... : " ألا ترى يا أبا تمام بارقنا ؟ ... إن السماء تُرجى حين تُحتجبُ !"
... ( كتاب "زمنٌ للشعر و الشعراء " .. " فاروق شوشة " )

الأربعاء، مايو 27، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 13


عزيزي :

في تلك اللحظات ... أشعر بأني مشتتة و حائرة حقا ً ... و يظل عقلي يحوم في تلك المنطقة الرمادية من الاحتمالات غير المؤكدة و الأفكار الطفيلية ، و ذلك السؤال الذي يجعلني أقدم خطوة و أؤخر أخرى ، و أنا أحاول تأكدا من ملامح قد تتشبه بملامحك ... أو هي تشبهها حقا ؟؟
تصيبني تلك اللحظات بسهم مباشر في قلبي ، و أنا أشعر إنجذابا نحو أحدهم ، و أُدهش جدا ً لأن ذلك الشيء الذي يجذبني نحوه هو شعوري بوحدته ، حزنه / أو كآبته / ... أو مروره بوقتٍ عصيب أو لحظات ضعف / على ترفعه على ذلك كله ...
أفهم جداً أنه من الطبيعي أن تنجذب أي فتاة نحو أولئك الأقوياء ، أو المشهورين ، أو جاذبي الأضواء ، أو ذوي الكاريزما العالية ، أو المرحين ، أو أصحاب السطوة سواء في شخصية أو مال أو سلطة أو تأنق ... أو حتى العكس : أن تنجذب بعض الفتيات إلى من تستطعن فرض سيطرتهن و تحكمهن عليهم ...
لكني لا أفهم تماما لماذا عندما أغراني الحب قبلا ً لم يدخل إليَّ من شخصه القوي الذي كان يبهر آخريات ، فقط .. تسلل إليّ من تلك النظرة الحزينة المترفعة عن حزنها ، و من لحظة ذلك الاحتياج غير المعلن الذي اجتذب رغبتي في الاقتراب و التربيت ، و إن عاندتُ وقتها و حاولت إبتعادا ...
لا أفهم كذلك لماذا عندما أحلم بك ما بين كل فترة و أخرى ، أصحو منتشية بحلمٍ أعتقده في قمة الرومانسية على الرغم من أنه لم يكن به سوى صعوبات نواجهها سويا و نتغلب عليها ، و أصر - مستمتعةً - أن أبقى إلى جوارك نحارب - حرفيا في بعض الأحلام - سويا ....
ربما هو جزءٌ من فكرة الحب لديّ أن أمنحك أمنا ً و مساندة كما أتوقع منك أمنا و مساندة ... أن ألمح ضعفك غير المُعلن و أحتويه كما أتوقع منك أن تفعل معي ...
و ربما جزءٌ أصيلٌ منها كذلك أن نواجه الصعوبات و الشدائد و نحن معا ... لا أتمنى صعوبات أو شدائد ، لكنها طبيعة الدنيا من ناحية - لذا فأنا أتوقع بعضها فقط - و من ناحية أخرى أعتقد أن هذا هو ما يصهرنا حقا ً في تجربة الحب : مواقفنا الصادقة تجاه ما نواجه...و أن نثبت جدارتنا و استحقاقنا لأن نكون معا ً ...
منذ عدة سنوات مضت ، كنت أُدهش حقا عندما أجد أن ما يظلل علاقات الحب - بل يحكمها و يتحكم بها - هو الخوف ...
الخوف من الدنيا ، الأهل ، الظروف ، الماديات ، الزمن .... الخوف من وعود ليست هناك القدرة على الإيفاء بها ... و أسئلة يائسة تسحق الحب ، الأمن ، و تقتل الفرحة : ماذا بعد ؟ ماذا لو ؟ كيف؟ هل نستطيع ؟
لماذا كنت أرى - و لا زلت - أنه ليس هناك خوف حقا سوى خوف ألا يكون الاثنان معا حقا و إن إدعيا تلازما ؟ لماذا الخوف في نظري هو تلك المساحات المسكوت عنها من عدم المعرفة و الغربة و الابتعاد ما بين اثنين و ليس حولهما ؟
لماذا همست لنفسي موقنةً منذ كل تلك السنوات - عندما أُثيرت نقطة الارتباط و الماديات - أن الخوف لا يأتي من خارجنا قدر ما يأتي من بين أيدينا ... أن خوفي من نفسي وقتما لا أعرفها أو أثق بها ، و خوفي عليها ممن لا يعرفها حقا ً - و إن خال حبها - هو رعبٌ شديد لا يقاصيه أي خوف آخر ...
عزيزي :
أوقن الآن أني أعرفك أكثر مما أتصور ... و أني لن أُخدع في إنعكاسات من ملامحك على آخرين ...
أنتظر أمني بك و لك و معك ....
ليكن يومك جيدا :)

الجمعة 15 مايو 2009

الاثنين، مايو 25، 2009

Listen


" .. و قبل أن أسأل "قرياقوس" سؤالاً جديدا ، قال لي : " اسمع "جويي" ، إنني أخبرتك بالمجازر التي ارتكبها الأكراد بحق الآشوريين ، فقط كي تعلم كيف أصبحتُ يتيما ً مثلما أصبح آلاف الآشوريين الآخرين . إنه الماضي ، لا تنتبه إليه على الإطلاق . و أستطيع أن أقول الآن ، لو أن الآشوريين كانوا أقوياء لقاموا بذبح الأكراد ، مثلما فعل العرب بالأكراد ، لأننا في النهاية كلنا ضحايا التخلف " .

رواية " عراقي في باريس" ... لـ صموئيل شمعون
دار الشروق 2009
صـ 289

الأربعاء، مايو 06، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 12


عزيزي :

صباحا كنت أتحدث مع صديقتي عنك ، و قلت لها أني لا أفكر بك كثيرا لأني أشعر أن لدي الكثير جدا لأحققه ...قلت لها أني أشعر بإكتفاء ذاتي ، أنه ليس لدي الوقت للافتقاد أو الاحتياج ... أني مازلت في الطريق إلى نفسي كما أتمناها ، و أني لن أشعر بالافتقاد الشديد إلا بعدما أنهي وصولي إليها لأبدأ سعيا إليك ...
الآن ... في هذه اللحظة تحديدا ، أشعر و كأن ما قلته صباحا جففت مياهه شمس الظهيرة ليتركني النهار و أنا عطشى إليك ...
خطر لي أني أريد أن أحدثك و أسمع صوتك و أنا في فترة الراحة في عملي الجديد ..
أخرجت الموبايل و بي لهفة شديدة لضغط أرقام ما و الاتصال بك ..
فكرت في أنها ربما رغبة للحديث مع شخصٍ ما لا أكثر ...
عبر ذهني سريعا فوق كل ما يحمله الهاتف من أرقام و أسماء لأصدقاء و صديقات ، و فوق كل من حولي من زملاء و زميلات ، ليكرر عليّ حاجته : أنت فقط من أريد حديثا إليه .....
فاجأتني قلة حيلتي و أنا لا أعرف لك طريقا أو رقما أو اسما أو شكلا ... فاجأني إحتياجي لأن أسمع صوتك هناك حتى و لو لدقيقة أسألك فيها كيف أنت ..
غريبٌ إنتمائي هذا إليك ، و غريبةٌ حقا ثقتي تلك في أنك حقيقة ستأتي قريبا ً .... و غريبٌ كلُ ذلك الحنين و التوق اللذان يسكناني إتجاهك : أنا من أبدو غالبا ً باردة و لا مبالية إتجاه الكثيرين ممن حولي ... من لا يشغلها حنينٌ إلى ماضي أو ذكرى أو اتجاه شيءٍ كان و ولى ...
أيها الشبح الجميل ... أيها الواقع السحري ... أيها المطر المحتجب في سحابات الغيب الخيرة .... متى ستجيء ؟
أنتظرك .

الثلاثاء 28 / 4/ 2009

الثلاثاء، مايو 05، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد 11


عزيزي :

أكتشف هذه الأيام أن انتظاري لك ما هو في جوهره إلا انتظار للأمن و لطوق نجاةٍ لن يستطيع غيرك منحه إياي ...
أتأمل نفسي في تلك اللحظات التي أشعر فيها و كأني أغرق في بحر من الحيرة و الاحتياج و الشعور بالإرهاق و الضعف ... أشعر بنظراتي جيدا في تلك الأوقات لأتبدى كبائسة مغلوبة على أمرها تستنجد بقوة بمن حولها و تنتظر أن يمد لها أحدهم يد المساعدة ..
فتجيب نظرات من حولي و كلماتهم القليلة الحيادية : " لا يعنينا الأمر كثيرا ... أنتِ مثيرة للشفقة بشكلٍ سخيف ... هذه هي مشاكلك وحدك ، و لكلٍ منا شأنٌ يُغنيه ....كلنا في البحر الواسع ، و على كلٌ منا أن ينتبه لنفسه و يسبح بهمه ليصل لشاطئه ، و لن يعطل أحدنا نفسه كي يعتني بأمرك ، عليكِ أن تتعلمي السباحة دون مساعدة ، و إلا غرقت ... هذا خيارك " .
أصل لقاع البحر في أحيان كثيرة ... و عندما أوقن بأنه لا أحد هناك ليرمي لي بطوق نجاة ما في كلمة ، أو إهتمام حقيقي أو نصيحة متفهمة أو في نظرةٍ مطمأنة تربت على خوفي و تهمس لي بود : " لا تخافي ... كل شيء سيكون على ما يرام " .... أبدأ في إستدعاء القوة من الأشياء ، من اللحظات الجيدة ، من محاولة التحدي و الغضب التي أواجه بها موجات البحر لأثبت لها أنها في النهاية ستتكسر عندي ، و سأركبها و أعلو فوقها ، و سيكون الانتصار لي .
نظرات من حولي من البشر تعبر بلا مبالاة فوق نظراتي عندما ترسل رسائل الوهن و قلة الحيلة ، و ربما تستهجنها أيضا ...
منذ سنوات كثيرة مضت ، فوجئت بمدرب الكاراتيه يصيح بي في إحدى المرات بغيظ : " كفي عن نظرة الاستضعاف و قلة الحيلة تلك ... لن تستطيعي فعل شيء أو التغلب على أحد و أنتي تنظري هكذا "
هل ساعدتني كلماته ؟
ربما يكون لها بعض الأثر عندما أصل لقاع البحر ، فأذكر نفسي بأنه لا سند لي في هذه الحياة سوى ذاتي ، و سوى أن أكون قوية و عنيدة ، و ألا أنتظر شيئا من أحد سوى مِنِي ....لكن كلماته أبدا ً لم تستطع إنتشال شعوري بالغربة و التوهة و الإنعزال أو الشعور بالخجل و أنا أتدرب في مجموعته ، و لم تستطع منع تلك الدائرة من التكرار دوما ً و لا منع نظراتي من البوح بضعفي و إستجداء طوق النجاة على فترات متباعدة ...
في حين يتحول أبواي و أقربائي - كأي عائلة طبيعية - إلى أمواجٍ هم أنفسهم ، تصيح كلماتهم و نظراتهم : " لن تستطيعي " ..." طرقك مسدودة إن لم تكن سرابية " .... " من تكوني ليتحقق لكِ ما تريدين ؟ " ... و ليس عليّ أن أتوهم منهم أمنا ً .. بل عليّ توقع زراعتهم الكثير من الشكوك و الارتياب و سوء الظن بالدنيا ، بالأشياء ، بالآخرين ، و بنفسي و قدراتي و مستقبلي ... بذورٌ كثيرة مستعدون لتنميتها و إكثارها دون أدنى نية لمحاولة التحقق أو المعرفة ... فالطريق الأسلم دائما هو أن يقف المرء مكانه : الركود و الرضى بأي أمر واقع هو أمن و سلامة في ظنهم ... و عليّ أن أستدعي ذلك المارد السحري القوي من داخلي لا ليمدني فقط بطوق نجاة أستطيع به الصمود و الصعود لأعلى قبل أن أواصل العوم ، بل ليمدهم بآلاف الأطواق الأمنية لعرائس الشكوك و الارتيابات الخشبية ...
لا أحنق عليهم في شيء صدقا ً ...
فهكذا هو الحال الغالب ، و هكذا - و أكثر - هو أمر مجتمع بأكمله لم يتعلم شيئا من الحياة سوى الخوف ، و الاحتماء بالطاقة السلبية و العمل على نشرها : الشك في الآخرين و سوء الظن الدائم بهم و بدوافعهم - توقع الأسوأ - التحبيط - الشكوى الدائمة دون أدنى استعداد لحل المشكلة - عدم الثقة بالذات - التشاؤم و السوداوية - التقاط كل ما هو سيء و التركيز عليه و رعاية بذور وجوده لينمو و ينتشر - التسلط - الجبن - إزدراء الآخرين و التقليل من شأنهم ليتوهم المزدرِي أنه الأعلى و الأفضل طالما الآخرون أدنى - اللوم و الانتقاد - التحدث السلبي عن الآخرين - عدم المرونة أو الخيال أو الحماس - فرض الآراء و الاتجاهات على الآخرين - عدم التفكير بمنطقية - و آفات أخرى كثيرة أصادفها في تفكير الآخرين و تعاملهم مع الحياة ...
أتعرف ... توصلت لنتيجة مؤخرا بأن رحلة كل منا في هذه الحياة ما هي إلا بحثٌ عن الأمن فقط لا غير ... بل ، هذا هو سعي الإنسان منذ وجوده على الأرض ...
قد يجد أمنه هذا في علاقاته بالآخرين ، في عمله ، في الدين ، في المال ، في أي شيء يمكنه طمأنته .... و يختلف مفهوم الأمن هذا و طريقة السعي إليه عند كل منا ...
أعتقد أن أمني بشكل عام أستمده من أن أحيا طبقا لما أعتقده حقيقي و صحيح مهما يكن ، و مهما يكن رأي الآخرين فيه ... ثم تأتي نقطة أن هناك من يفهمني و أفهمه و أتواصل عميقا معه ، و أشعر بالانتماء له .... التي هي صديقتي الآن ، و أنت يا عزيزي عندما تأتي ...
بصراحة ... أعاني كثيرا عندما يصر الكثيرون من عائلتي ، و أحيانا من آخرين حولي على المجادلة بشأن ما يجب أن تفعله أي فتاة طبيعية في الدنيا : الزواج .... لا يستطيع أحدهم فهم جملتي ، أو تقدير أي أهمية لها : " شخص يفهمني و أفهمه " ...
لا تجمعنا مناسبة إلا و يعاد فتح الموضوع بشكل فضولي سخيف ، و تتكرر نفس الإغراءات التي لا تعنيني في شيء : البيت المستقل - الأطفال - الحياة الجديدة - المال - و أشياء أخرى ربما قالوها و لم أستوعب أهمية أو أولوية لها ....
يُصدمون عندما أكرر على مسامعهم أنه من الغباء و الضعف أن أنتظر من يحقق لي ما أريد من مكاسب مادية سواء كانت حياة جديدة أو بيتا مستقلا أو مالا أو متطلبات معينة .... و أنني أسعى لأحقق هذا لذاتي ...
و أنه إذا كان بالفعل كل الرجال بعضهم كبعض ، و ليس هناك من يفهم و يتفهم و يُقدِّر و يساند و يشارك - كما يقولون - فشكرا جزيلا ، لا حاجة بي عندها إلى الزواج ...

لكني أعود و أهمس لك بيقين مع فيروز :

" مش لينا الزينة و بيارق المدينة
نحنا لنا ورق الخريف
عم بيدهب مراكب الرصيف
غير إنتا و أنا
يا حبيبي اللي مالنا "

الاثنين 13 / 4/ 2009

الاثنين، مايو 04، 2009

إلى حبيبي الذي لم أعرفه بعد10


عزيزي :


أعرف جدا أني أصبحت نموذجا فاشلا و مُحبِطا لإبنة .... لكني لا أستطيع دفع هذا أو تبديله : أنا مختلفة عنهم قلبا و قالبا ، و لم أعد أستطيع الكف عن أن أكون نفسي ، أو التظاهر بأني أحد آخر ...
تتوالى الاحباطات مني ، و بالذات بالنسبة لأمي : الزواج : الرفض حتى تأتي أنت مع عدم يقينية وجودك - لهم على الأقل - ، تحولي إلى عدم الاعتقاد في شيء ، العمل : أريد نبذ عقد الحكومة و البحث بإستماتة عن عمل آخر أجد نفسي فيه ، و أخيرا : القشة التي قصمت ظهر البعير : لم أبالي برفضها ذهابي لذاك التجمع الأدبي في مدينة أخرى ، و ذهبت ...
الأوصاف التي أطلَقتْها على هذا الفعل كثيرة : ( قلة أدب ) ، ( سايبة ) ، ( عدم إحترام ) ، ( قلة إعتبار ) ، ... إلى آخر القائمة ... لكني لم أبالي ....
فقط ... فكرت هكذا : لم أعد صغيرة ، و أصبحت في سن تسمح لي بأخذ قراراتي بنفسي و تنفيذها دون إنتظار لموافقة أو رفض من أحد ... تصرفاتي واضحة و معروفة و معروف مداها ... و لم أعد أستطيع تقليص حياتي إلى الحد الأدنى كما كنت أفعل من قبل ...
سنوات كثيرة مرت و أنا أحلم على إستحياء .. أفعل على إستحياء ... نادرا ما أطلب شيئا أو أرغب حقيقةً في شيء ، و كأن هذه الحياة ليست من حقي ... فجزءٌ أصيل في تربيتنا هو أن نتعلم كيف نخاف أن نأمل في شيء أو أن نرغب فيه ... أخاف الرفض ، فأحبط ما أريد قبل بدايته ... من المهم أن نسير في الطرق التي يسير فيها الآخرون كلهم ، لأنها مضمونة و مأمونة ، و الدليل أن كل الآخرين فيها ...
و لأني لم أعد كذلك ، و لم أعد أستطيع لعب دور الضحية المغلوبة على أمرها ، و لأني لا أحب إستمراء الشكوى أو اللوم ، و لا أحب الشعور بالمرارة إتجاه أحد .... قررتُ أن هذه هي حياتي ، و يحق لي أن أحياها كما يناسبني أنا ، لا كما يناسب غيري ... و يكفي جدا أني بالسادسة و العشرين الآن و لم أفعل شيئا بعد مما أريده في حياتي ....
أتعرف أن أصعب القرارات حقا ً هي قرارات الفعل ، لا قرارات الرفض ... صحيح الضغط متقارب في الحالتين ، لكن المقاومة و العوائق أكثر بكثير في الحالة الأولى ...
ببساطة يمكنني رفض الزواج أو الاعتقاد في شيء معين أو العمل في مجال معين أو أي شيء آخر ، و لن تستطيع قوة إجباري على فعل ما أرفض ...
لكن أن تختار بدائلاً أخرى و تحاول نحوها سعيا ، فهنا تكمن المشكلة الحقيقية : أنت تحتاج إرادة و قوة للسعي ، و هناك أيضا العوائق التي يتكاتف الجميع - و معهم الظروف - في وضعها أمامك ... و عليك أن تتحدى حتى نفسك لتتقدم نحو ما تريد ... خطوة ... خطوة ... ببطء... مع العوائق ، مع الإحباطات ، مع طَرْقك المستميت على الأبواب الكثيرة ، و لا أحد يصدر إشارة على أنه قد سمع صوت طَرَقاتك ، مع أشياء تردك للخلف الخطوات القليلة جدا التي استطعت تقدمها بصعوبة ....
هذا كله صعب جدا .... و مخيف.... لكني أوقن أنه لابد منه ، كما أوقن أن الندم يصيبنا على الطرق التي أردناها و لم نسرها ، لا الطرق التي مشيناها بالفعل ... و أنا لا أنوى الندم على شيء ، ليس هذا من طبعي ...
أنوي أن أقول لنفسي - حتى لو فشلت و مت صفرا ً ضئيلا ً على أقصى شمال العالم - أني فعلت كل ما أمكنني فعله ... أني عشت حياتي كما أريد ... أني لا أُحَمِّل أحدا آخرا مسؤلية حياتي ، و لا أحمل ضغينة إتجاه أحد ...
أتمنى لو كنتَ موجودا هنا الآن ... حتى لو تجادلنا و اختلفنا ... أحتاجك .

الجمعة 20 / 2/ 2009