الجمعة، نوفمبر 28، 2014

يا رب عودة

أتحسس لغتي لأجد الصعوبة التي صار علي عبورها وأنا أحاول الكتابة المتسقة ، فالفيس بوك قد أصاب روحي ولغتي بالركاكة.

رثاء للكتب في دقائقها الأخيرة لدي

بعد إلحاح من أبي، وبعد عودة الفكرة الأساسية التي طالما غرست غرسا داخلي: " التخفف من الأعباء المادية في حياة المرء حتى إذا ما سافر أو مات ، انتقل خفيفا دونما أسف على ما ترك ، قررت اليوم تخلصا من كثير من كتبي بالمكتبة ... 

قالها لي مرة أحد معارفي: "الكتاب الذي ظل طويلا في حوذتك ولم تقرأيه، فاعلمي أنك لن تقرأيه أبدا ، لذا تخلصي منه" 

وها قد واتتني الشجاعة أخيرا ... 

كتبب لم أقرأها على الرغم من وجودها بالمكتبة حوالي 13 سنة أو أكثر .. كتب كنت أراها "مهمة" لأنها "من أمهات الكتب" أو لأنه كان يستهويني وقتها مواضيعها : البيئة - الاقتصاد - فلسفة الجمال - السياسية - النقد  ... 
 إضافة إلى كتب أخرى قرأتها في هذه المواضيع وفي أشياء أخرى، وعلى رأسها كتب الدراسة باللغة الإنجليزية: النقد والدراما واللغة ومسرحيات شكسبير والأساليب والصوتيات والشعر وروايات  واللاتيني والفرنساوي ...

كتب خططت بها ملاحظات وكلمات وأحببت دراستها أو قرائتها ، وظننت أني سأعود إليها لاحقا لأستمتع بالقراءة فيها مرة أخرى ... لكن يمضي الوقت، وتمر السنوات وأنشغل بحياتي التي اعتادت التغير طوال السنوات الماضية في العمل والسكن والاهتمام والرؤية العامة لوجودي ومستقبلي بشكل عام .. وغالبا ما أجد في يدي كتبا أو أوراقا أخرى ، بل وصارت القراءة الورقية قليلة ومصادفة بشكل ما ... 

الوقت يذهب وتتغير اهتماماته وأولوياته ... بل، وتتغير أساليب أشياءه .. مثلا ، وجدت أن التخلص من معجمي لغة عربية وقاموس لغة إنجليزية وقاموس للغة اللاتينية سهلا جدا وغير مؤلم لي الآن على عكس فظاعة الفكرة بالنسبة لي منذ عدة سنوات خلت ... نعم، فالآن هناك الانترنت الذي يمكنني من الدخول إلى قواميس ومعاجم أكثر تطورا من قواميسي الورقية المحدودة ... وكذلك الأمر بالنسبة لكتاب قواعد اللغة العربية الذي كنت أعتز به منذ تسلمته في ثانوي (وأخذت أولئك الخاصين بإخوتي الثلاث أيضا عندما كانوا في المرحلة الثانوية وكلما اهترأ أحدهم لجأت للذي يليه ) ... فالأمر أسهل كثيرا مع النت الآن ... 

أيضا .. حقا لا وقت لشيء ... حتى أجد أن اعتمادي الأكبر أصبح على الكتب والمواقع الالكترونية في توفير ما أريد من معلومات عن موضوع بعينه .. بل هو أسهل وأكثر وصولا إلى ما أريد بالضبط ... 

مع ذلك، بقى بعض الكتب التي احتلت رفين ، أعلم أني سأعود إليهم ببطء وسأنتهي منهم الواحد وراء آخر على مهل ... 

المشكلة أصلا أن المعرفة والكتب كثيران جدا ... المكتبات واسعة وكبيرة ومكتبتي بالنسبة لها لا شيء ... بالاضافة للكم المعرفي الهائل الموجود على الانترنت سواء كتب إلكترونية متاحة للتحميل ، أو المواقع الكثيرة في شتى المواضيع ... 
سابقا في مرحلة من المراحل كان المرء يشعر أن المعرفة عزيزة ... في ابتدائي واعدادي لم أكن أجد المجلات والكتب إلا بشكل ترتبه الصدفة السعيدة وحدها ... وكنت أبتاع ما أستطيع بما معي من نقود ... لاحقا توسع مجال شراء الكتب قليلا مع اتساع دائرة معرفتي بالطرق والشوارع في بلدتنا ، كما كان بمدرستنا مكتبة كبيرة إلى حد ما وجدت بها "الكوميديا الالهية " ومسرحيات الحكيم وكتب أخرى منها ما تجولت بعناوينه، ومنها ما قرأت ومنها ما قرأت أجزاء منه ... 
مكتبة الجامعة كانت مذهلة ... وكان أفضل أوقاتي وأنا أمامي عددا من الكتب والقواميس والمعاجم في المكتبة من أجل بحث ما في الدراسة، أو وأنا أقرأ في كتاب ما استهواني ...

نحن الآن في وقت انفجار معرفي حقيقي ... في بحور من أي شيء تريد ... فهل تريده حقا ؟ وهل هذا ما تريد تحديدا؟ 

مع الوقت أعتقد المرء يحسن علاقته بالأشياء بعد أن يسميها ويحددها ويدرك طرقا أفضل للتعامل معها ...

القراءة مثلا بالنسبة لي لا يجوز لها أن تستمر عشوائية ... لي زمن وأنا أحدد أن الكتابة هي طريقي ... فصارت قرائتي جزءا من الطريق الذي ارتضيته لنفسي . 
أن أقرا في المواضيع والأشياء التي اريد عنها كتابة ... بمعنى آخر: صارت القراءة هي إجابة عن أسئلة بعينها ... 

في كل عام مرة

"عاوزاه؟ أجيبهولك؟ " 
قالها لي العطار غريب الأطوار الذي قرأ أمورا عني في وجهي وفي حركتي وأنا أتنقل بين زيوت الشعر لديه، فادعى أن هناك عفريتا يتحكم بأمري، وأشرارا صنعوا لي أعمالا ...

لم يمنعني إدراكي من أن أفكر مليا في السؤال... 
"كفي عن الإجابة بعشوائية أو ردا للأسئلة المتطفلة فحسب... فكري جيدا فيما تريدين بصرف النظر عن الظروف المحيطة" .. هكذا ربتت عليّ نفسي وهي تسدي إليّ بنصحها ... 

وأجبتها أني لو كنت أريده حقا لأعدت السعي نحوه، ولن أنتظر أبدا عطار دجال ليأتي لي بما أو من أريد ... لست عاجزة. 

***** 

أمس حلمت بفتاة ما تسألني نفس السؤال الذي سألني إياه العطار منذ سنوات خلت : "عاوزاه؟ " 

أجبتها أن لا ... أو هي ليست "لا " وليست "نعم" كذلك ... هو الحياد اتجاه أناس لم نعرفهم حقا ولم يعرفونا حقا على الرغم من كل الادعاءات التي كان يدعيها جهلنا وسنواتنا القليلة ...
 وأنه فقط الفضول قد يدفعني لرغبة الحديث معه... أو، هذا ما أريد حقا: فقط الحديث معه... لأقيس القياس المعهود: إلى أين قد وصلتُ ؟ 

ثم أدركت بعد إجابتي أنه لم يعد ضروريا القياس على أمور أو أناس آخرين ، فأنا أعلم إلى أين وصلت، وعبر ماذا قد مررت... 

ولهذا فإن مسرحية "زوار" تطاردني لأعيد كتابتها والانطلاق منها إلى ما وصلت إليه...