السبت، فبراير 12، 2011

أمس وُلد بطل تراجيدي جديد اسمه "مبارك"





أعتقد بالفعل أني أعيش حالة من "التطهير الأرسطي " منذ أمس. فما حدث يجعل "مبارك" تنطبق عليه شروط البطل في التراجيديا و التي وضعها أرسطو..

فالبطل التراجيدي يجب أن يكون ملكا أو أميرا أو ذو مكانة رفيعة أو أرستقراطية ، و هذا البطل يجب أن تحتوي شخصيته على خطأ قاتل ، تجعله يسقط آخر الأمر من عليائه ، محققا لدى الجمهور حالة من "الشفقة" على البطل و "الخوف" من مصيره، فيحدث "التطهير" .

أمس ، و كما خط "شكسبير" : " ماكبث" الذي لوث نفسه بالدماء من أجل العرش فصعد خطوة ثم سقط سقطة مدوية .. كما خط : "الملك لير" الذي قسم مملكته بين ابنتيه الفاسدتين الناكرتين للجميل المنافقتين ، و طرد ابنته الوحيدة المخلصه و أتباعه الصادقين الذين أخبروه بالحقائق، فانتهى به الأمر إلى الجنون و الموت ...
و كما خط "كريستوفر مارلو" : "حياة و سقوط فاوست " الذي باع روحه للشيطان فاستمتع بكل المزايا و الأعاجيب لسنوات و ارتكب كل الآثام ثم أشفقنا عليه في النهاية و هو يتوسل إلى كواكب السماء أن تكف عن الحركة كي يتجمد الوقت و لا ينتهي تلك النهاية التي سعى هو بنفسه إليها عندما مضى ذاك العقد بدمه مع "ميفستوفليس"....
خط الزمن دراما حقيقية لسقوط رئيس جمهورية ... المسألة بالطبع لا تكمن في "السقوط " بمعناه السياسي برفض شعبه له و تنحيه عن سلطاته .. لكن سقوطه "إنسانيا" و "نفسيا" أمام تلك الصورة التي ربما كونها كل تلك السنين عن ذاته و عن عهده و التي زينها لها منافقوه و إعلامه ... ليصدم في لحظة بعدد من الحقائق و التغييرات دفعة واحدة. العديد من المذيعين في الإعلام المصري قد ينطبق عليهم نفس الوضع أيضا و إن كان بصورة أقل .

و الآن أعيش حالة من "التطهير" شفقةً على مصير "البطل التراجيدي" الذي سعى بنفسه لنهايته منذ أول المسرحية ، و خوفا من أن أكون مثله دون أن أدري أو أن أقع في نفس مصيره ، وقانا الله مصير الأبطال التراجيديين.

الجمعة، فبراير 11، 2011

لماذا لم أشارك من حولي فرحتهم لحظة إعلان تنحي الرئيس و تسليم المقاليد للجيش؟

لا يمكنني معرفة إجابة لهذا السؤال ...

ربما هو خوف من القادم ؟ خوف من المسؤلية المرتقبة ؟ كفرد من هذا الشعب مسؤل لأول مرة عن أن يختار له طريقا ، أن يحاول أن يصبح أكثر وعيا ، و أكثر حيادية و مقاومة للطوفان القادم و لسلبيات الثورات المرتقبة ؟

هل لأني توجست من أن يكون قرار التنحي – الذي وصلنا في التحرير و لم أسمعه بنفسي – قد قيل بلهجة تحريضية خفية كما كانت كل التصريحات و الخطابات في الفترة الماضية تفعل؟

هل لأن فرحتي ظهر هذا اليوم بظهور الشباب المثقف الذي يقود شعارات ذات مغزى و تحاول إفهاما للناس من حولها لحقوقها المنهوبة عن طريق شعر أحمد فؤاد نجم و أغاني الشيخ إمام التي صيغت في شعارات يرددها الناس ورائهم قوبلت بشعور بأن هناك حقا من (يركب الموجة) لكنهم هذه المرة من الشباب أنفسهم و من بعض الأسر التي قدمت لميدان التحرير كمكان احتفالي ، و تردد الكلمات فقط بلا روح مثلما كانت تردد ما يقوله الإعلام المصري بلا وعي أيضا ؟

هل لأني شعرتُ أنني في مباراة كرة قدم ، و المسألة أصبحت مسألة تشجيع فريق ، و أصبحت تقال في اختصار مُخل ، بل قاتل : "انت مع و لا ضد ؟ "
و سرقة الفرحة رغبة ً في الفرحة ذاتها لا شعورا حقيقيا بإنجاز أو تحملا لما قد يأتي من مسؤلية؟

هل لأن بوادر السلبيات بدرت بمحاولة بعض الشباب لحذف اسم محطة مبارك من عربات المترو؟
هل لأن ذاك الرجل العجوز قال في حماس أن اسم مبارك يجب أن يحذف من التاريخ ، غير مدركٍ لأننا لا نكرر أخطائنا إلا لأننا لم نتعلم من ماضينا ، بل نعمد إلى حذفه؟

هل لأني لمحت توتر أفراد الجيش و غضب أحدهم على أحد سائقي التاكسي في العتبة، و مشاهدتي – لأول مرة – تلك السكاكين في مقدمة أسلحتهم و هي مشهرة ؟

هل لأني أخشى أن نتحول إلى ظالمين مضللين نحن أيضا بعدما تصير مقاليد الأمور في أيادينا ، فنذكر فقط مساوء ما مضى و لا نتحرى ما قد يكون له من إيجابيات حقيقية ؟

هل لأني أخشى أن نرتكب مجازرا أو مظالما باسم الثورة و لا نمنح الأشياء حجمها أو كل شخص حقه بعدل ؟

بقدر غضبي و سخطي و غيظي أمس بعد سماع خطاب الرئيس مبارك، بقدر شعوري بالحزن و رغبتي في البكاء مع كل تلك الفرحة العارمة في الشوارع و كل ذلك الكلام عن إصرار الشباب الذي غير التاريخ في نفس الإذاعات التي كانت تتساءل في سخط حانق و استهزاء بمن هم في التحرير هذا الصباح : همه عاوزين ايه أكتر من كده؟

=========================================================

أعيد أحد النداءات التي وردت اليوم في "الشروق" : أطالب كل من لديه وثائق على فساد أحد رموز النظام أن يقدمها للنائب العام ليتم التحقيق فيها ....
بعد ذلك :
أطالب شخصيا بمحاكمة (عادلة ) لأي مما قد تحيله النيابة إلى المحاكمة ..........
كما أطالب بتحري عادل و حيادي و صادق و موضوعي و حقيقي لحقيقة عهد مبارك و ماله و ما عليه .... فلنكن شرفاء لا آفاقين أو مزيفيي حقائق.

و قبل كل ذلك ... لا مزيد من التهكم على مبارك أو التهجم عليه أو اتخاذ موقف عدائي ضده ... فهو الآن ليس رئيس الجمهورية الذي كرهنا عهده ، بل هو إنسان مجرد من أي سلطات ... له حقوقه المدنية، و لو كان لنا عنده حقٌ ما فبالقانون و القضاء.

"التخوين" و "استدرار العطف" و "التهديد الخفي" و "اللعب على مخاوف الجماهير" و "البطل الأسطورة الذي يمضي الناس حيثما يمضي" ألعاب قديمة .. العبوا غيرها

في فيلم Shawshanik Redemption ظل "آندي" بطل الفيلم يكتب خطابا كل أسبوع لمجلس الشيوخ الأمريكي حتى يتم إرسال أموال له لتجديد و زيادة عدد الكتب بمكتبة السجن .. بعدها بكثيييير .. استجاب مجلس الشيوخ لإسكاته و تخلصا من إلحاحه، و أرسلوا له 200 دولار.. و هنا .. وعد آندي زملاءه بأنه سيكتب خطابين كل أسبوع بدلا من خطاب واحد كي يعينوا نقودا سنوية للمكتبة ليتم شراء كتب لها و تجديدها .. و كان له ما أراد .
جاء هذا بذهني مع كل التعليقات التي تطالب شباب التحرير بالعودة إلى منازلهم كلما ألقى لهم الرئيس أو سليمان أو شفيق بفتاتٍ وهمي معتقدين أنها مكاسب حقيقية أو أنها مطالبهم أو بعض منها ...

لا أستطيع إنكار أني شخصيا ظللت في حيرة من أمري تجاه كل التصريحات و البيانات و الآراء المختلفة المتضاربة التي تصدر كل لحظة و أخرى ، و تجاه ما يجد دوما من أحداث ... و لا أنكر أني ظللت على الحياد النسبي كل ذاك الوقت ، و الذي لم أخرج عنه إلا عاطفيا و إنسانيا و نفسيا فقط عندما صاحبت مظاهرات جمعة الغضب من بدايتها و حتى ليلها ، و شاهدت القنابل المسيلة للدموع و التي كادت تخنقنا نهارا ، و شاهدت ميدان التحرير و هو أشبه بساحة حرب ليلا و الجرحى يتم إسعافهم على عجل و بدون تخدير و يتكاثرون واحدا وراء آخر .. و لتلك اللحظة التي كانت تدور فيها طائرة هليكوبتر تمسح الميدان و لا يتبين أحد هويتها ، و صار البعض يتشهد و ظن البعض أنه ربما يتم إبادتهم بشيء تسقطه الطائرة ... نعم ، إلى هذا الحد وصلت الثقة المتبادلة مع النظام العظيم ! و تصاعد تعاطفي و مساندتي النفسية و الإنسانية فحسب ، مع ذلك الاتهام من هم هناك بالخيانة و محاولة تشويه صورهم و مع القيام بالأفعال الإجرامية و إشاعة الفوضى ثم نسبها إليهم .. ثم مع أولئك الذين سقطوا قتلى .. خاصة في ذلك الأربعاء الذي لم أحضر وقائعه للأسف و إن تم نقل صورته حية جلية ليعرف بها العالم أجمع ..

زادت تفهمي و تقديري العاطفي و النفسي لهم بعد إدراكي المتأخر للعبة التي لعبها من كتبوا الخطاب الأول للرئيس و الذين أدركوا جيدا السياسة الاستعمارية الأصيلة "فَرِق تَسُد " فلعبوها بمهارة لينقسم الناس من جديد ...


أعترف منذ مرحلة الإعداد ليوم 25 يناير ، و ربما ما قبلها مع ما اشتعل من مظاهرات و تصادمات ، إلى .. ربما عصر اليوم ؟ و أنا أتابع بحياد و بمسافة تفصلني عن الأحداث ...

ربما لبعض تحفظات لي على "الثورة" كفعل .. منها أن عادة الثورات هي الرفض الشديد و محاولة الإبادة لكل ما يتعلق بما سبقها و اعتباره شرا كله ، فإذا بها تنتهي بأن تعيد أخطاءه و مساوئه و تنتهي نموذجا آخرا منه ... و ليس النظام الذي نحاول ثورة عليه ببعيد عن ذلك ... و لنتذكر بنود ثورة يوليو و نقارنها بالحاضر ، فسنجد تشابها بين ما انتهي إليه أحد أفرادها ، و ما كان يتم الثورة عليه ..

منها ما ذكرته "منى" زميلتي : أن الثورات تحاكم كل من يمت بصلة للنظام القديم و يتساقط العديدون من الضحايا في الطريق لمجرد تهدئه الرأي العام

و ربما منها أشياء لا تحضرني الآن .....

أما الآن .... فهاهو مبارك و نظامه يأخذ عن الثورة ما كانت ستقع فيه من وزر ، فيتعهد بتقديم أكباش فداء و يتم التحقيق معهم "بسرعة" أمام دماء الشهداء التي "لن تضيع هدرا " كي يغطي على مطلب المتظاهرين الأساسي برحيله عن الحكم و محاكمته هو شخصيا ... بل ، و يعلن "شفيق" قبلها بساعات عن قرار بتشكيل لجنة للتحقيق وتقصي حقائق بشأن الانتفاضة الشبابية.. فعلى ما يبدو ، بل ، و بدا ثانية من خلال خطاب مبارك، و يليله "مبارك 2 = سليمان" أن هناك إتجاها للعودة للنغمة الأساسية عن الأجندات الخارجية و الشباب المتدربين بالخارج و حماس و أمريكا و إسرائيل و إيران و مش عارفة مين اللي موجودين في الميدان ...

الآن ، و مبارك يلقي ذاك الخطاب الساذج الهزيل غير المحترف بالمرة ، الذي يضمنه خلطة سحرية كصانعي أفلام المقاولات الذين يحاولون جذبا للجماهير بشوية رقص على شوية عري على شوية خطب و مواعظ سطحية على شوية أكشن على شوية ميلودراما ، فيضمنه تهديدا خفيا ، و استدرارا للعطف ، و لعب على نظرية المؤامرة ، و لعب على مشاعر الناس و على مخاوفهم ليقيدهم بها إن لم يستطع تقييدهم بخوفهم على أنفسهم ، فليقيدهم بخوفهم على البلد من القوى الخارجية ...

الآن ، و الإعلام يعود لمذهبه الأصيل في التضليل الإعلامي و التعامل معنا كشعب من الخراف أو الأطفال السذج ، فتعلن الإذاعة بـ " تصريح" من "وائل غنيم" بأنه تم تحقيق مطالب الشعب و أن على المتظاهرين العودة إلى بيوتهم ، باعتباره الراعي الذي يقودنا ... و أن علينا ألا نستمع "للفضائيات المضللة" و بالطبع أن نستمع لإعلامه الذي أثبت حياديته و نزاهته و صدقه طوال الفترة السابقة !

الآن، و مع كل هذا الاستفزاز، و كل ذلك الفساد الذي كنت أعتقد بسذاجتي القديمة أنه يمكن معالجته بالجهود الذاتية و بأن يؤدي كل مواطن ما عليه ... فإذا بي أكتشف أنه متسرطن في النظام بأكمله ، و أن هذا الفساد هو من يحكمنا و يجعلنا نسير على خطاة ، فجعل من الكثيرين منا منافقين و مرتشين و سلبيين و كذابين ، بعدما طفا إلى السطح كل مزاياه تلك من فساد و رشوة و نفاق و كذب و سماجة و برود ....

الآن فقط أدرك أن على صوتي أن يعلو غدا مع كل من يطالب برحيل مبارك و سليمان و شفيق ، و حل الحكومة و البرلمان ..
و المطالبة بمحاكمة لن نقبل بأن تكون إلا "عادلة" للجميع

.. و أن علينا نحن أن نضع بدائلنا من الآن ...

كما أعتقد أننا في مرحلة يجب أن ننضج فيها كشعب و نواجه مخاوفنا و ننتصر عليها ...
ما يفعله مبارك ذكرني بـ "هيرا " التي كانت تتعقب هرقليز لتقضي عليه .... و كادت تقضي عليه ذات مرة بكفاءة عن طريقٍ واحد : تركته لمخاوفه و هواجسه ، و جعلتها تتبدى له و تحاوطه ، فكاد يقضي على نفسه بنفسه و لم ينجح في الخروج من متاهتها إلا عندما أدرك أنها تستعمل خياله هو و مخاوفه هو و أوهامه هو لتقضي عليه ... لم يستطع الخروج من المتاهة إلا عندما قرر أن يواجه أسوأ مخاوفه ..