الأربعاء، أبريل 13، 2022

هاملت و٣ عيون وعين رابعة حارسة لتعددية وجهات النظر

أكتر حاجتين انبهرت بيهم في عرض هاملت وثلاث عيون- Hamlet and 3 eyesye


١)

 الاختيار الذكي جدا لربط ال ٣ رؤى ل ٣ مخرجين خريجي الورشة .. ربط متاخد من جوه النص الأصلي - في اتساق مع فكرة التعبير عن اللي عاوزينه بطريقتنا من غير ما نزود كلام - وفعلا قادر ينقل بسلاسة مدهشة ما بين التراجيديا والكوميديا.. ما بين الرؤية الكلاسيكية والرؤية الحديثة الناضجة والرؤية الشبابية البسيطة .. وقادر في ذاته يبقى حيلة فنية بحبها شخصيا هي إن النص يبقى مفتوح زي الحياة لعدد لانهائي من إعادته كل ما يخلص مع شخصيات جديدة بظروف أخرى تنبيء عن نهايات متشابهة/ أو متناقضة ..
وهي اللحظة اللي هوراشيو في النهاية بيقول إنه هيحكي قصة هاملت للناس وهينقل اللي شافه وعايشه من أحداث ليهم .. فبيتحول المخرج اللي بيبدي رؤيته إلى شخصية جوه العرض .. فيبقى عندنا ٣ هوراشيو ب ٣ رؤى مختلفة..
وده ربط عبقري مش على مستوى الشكل بس، لكن على مستوى الطرح والمعنى.. إن "هوارشيو" اللي بيؤكد بمنتهى الإخلاص إنه هيوصل "الحقيقة" للناس ما هو إلا لناقل ل "وجهة نظره" هوه في الحقيقة.. مش بينقل الحقيقة ذاتها.. وإلا ما كانت "الحقيقة" قادرة تتبدى في أشكال متباينة كده..
والربط العظيم ده -حسب ما اتقالي- راجع للمايسترو : أ. عصام السيد.. Essam Elsayed




٢) 

تاني رؤية لهاملت في العرض، ودي أكتر رؤية بتعبر عن مخرج ناضج.. عنده رؤية حقيقية مختلفة وما اتقدمتش قبل كده بيطرحها .. يمكن هنا إسلام الشاعر اختار إنه يبدأ من النص الشيكسبري وينطلق من حتة كان بيتم إهمالها غالبا ، ويبني عليها في إعداد للنص ..
وياخد من روح العرض الكلية اللي مستخدمة تقنية الإعادة لطرح وجهات نظر مختلفة..
ويقرر يلعب على اللحظة اللي الفرقة المسرحية بتقدم فيها "وجهة نظر" هاملت في الأحداث للملك والملكة اللي بينزعجوا ويوقفوا العرض ويطالبوا بإعدام الممثلين..
فيضطر الممثلين لإعادة المشهد وتقديم وجهة نظر بديلة تصلح لإرضاء السلطة تجنبا للقتل.. فبيقعوا بين إرهاب السلطة ليهم وإرهاب هاملت ليهم واتهامه لهم بالخيانة وب "سيفه" برضو.. فبيتحول الفنانين فعلا ل أراجوزات بيحاولوا يمشوا على السلك اللي يجنبهم الإيذاء .. وبينتفي الآداء الفني لصالح تحولهم لبوق دعاية معبر عن جنون السلطة وتحكمها في الأمور وتلويحها بالبطش أو بالنقود..
وبعد "وضعية جسدية" للممثلين فيها فخرهم بفنهم وشعورهم بتميزهم وإنهم بيعملوا حاجة مهمة، بتتحول وضعيتهم الجسدية لوضعية منسحقة "شحاذة" بتشحت "الأمان والسلامة" ... وإنهم اتحطوا في حقل ألغام مش عارفين يخرجوا منه!
بيقدم إسلام رؤيته بأسلوب الكوميديا السوداء وبطريقة سلسة وبسيطة ما تاخدش بالك أصلا إن مصاحبها كمية الوعي دي..
ده غير إن المخرج قادر يستخدم أدواته الإخراجية بحرفنة علشان يعبر عن معنى..
فنلاقي مثلا الملك عم هاملت داخل إيده في إيدك الملكة وهمه بيلوحوا للشعب، بعدين الملك ينتبه إن الملكة واقفة جنبه بتلوح للناس،فيبص ناحيتها بحدة للحظة.. بعدين يروح يقعدها بشكل يبدو لطيفويقف لوحده يلوح للناس..

في ثواني بسيطة.. ومن خلال الحركة وحدها قدر يعبر عن شخصية همها الاستحواذ على السلطة وتهميش كل ما عداها ، حتى السلمة اللي وصلتها للسلطة دي / "الملكة".. 

اللي هو "وااااااو" !! ده ما بقاش عرض تخرج خاالص! ده عرض مكتمل ناضج واقف على رجله وبيطرح رؤية ناضجة ومميزة .. وما تلاقيهاش أصلا في عروض لمخرجين شغالين بقالهم سنين وعروض مصروف عليها قد كده!




** 

المخرج الواعد محمد كسبان .. أكتر حد معجبة بشجاعته لقبوله التحدي الصعب جدا واللي قلة نادرة ممكن يقبلوه أو يكملوه لنهايته:
إن المخرج يقول رؤيته  بأدواته الإخراجية فقط .. من غير ما يلجأ لأي لعب في النص.. أو يضيف كلام زيادة عشان يعبر عن اللي عاوز يقوله..
أدواته اللي بيثبت تمكنه منها ومن قدرتها وحدها على حمل المعنى:
- خطوط الحركة واتجاهاتها
- التكوينات
- آداء الشخصية ودوافعها اللي بتقول منها الكلام..
إزاي يقرا ما بين السطور في النص ويقدر ينقله بحركة وآداء الممثل.. فيضيف معنى ومشاعر جديدة ما كانش سهل أبدا توصلها لو بس قريت النص أو شفت نفس الشغل لحد تاني..
مما يدل على كونه تلميذ شاطر لأستاذ عصام السيد.. ولقط جزء مهم من جوهر ورشة الإخراج المهمة لأستاذ Essam Elsayed.. يمكن ما كنتش معاهم في الورشة دي، لكن حظي الجميل خلاني أحضر ورشة مشابهة ليه في المسرح القومي السنة اللي فاتت وكانت برضو بتطبيق على هاملت وبتركيز على الفرق بين الإعداد والدراماتورج وشغل المخرج ..
وبعودة لعرض كسبان: عجبني جدا اللحظة اللي هاملت بيكلم فيها أوفيليا .. لما المشهد اترسم وهو بيوجه جمله مش بس ليها لكن لأمه بشكل أساسي في حالة حيرة ولخبطة مشاعر وقسوة.. وحب مع شعور بالخيانة ومحاولة تخطي الاتنين بالسخرية والقسوة ..
واللحظة اللي بولونيوس بيدعي إنه حذر بنته تبعد عن الأمير في نفس اللحظة اللي بيزقها فيها ناحية هاملت ببطء .. وإزاي الناس بتقول حاجة وتصرفاتها ونواياها الحقيقية بيقولوا حاجة تانية خالص..
وشعور أوفيليا بإنها لعبة أو قربان لطموحات أبوها اللي مضطرة تنفذ أوامره بإدعاء الابتعاد مع محاولات الاقتراب..





**

في العين التالتة في "هاملت وثلاث عيون"

إحنا قدام موهبة فطرية وحضور شخصي مشع وإيقاع فطري مظبوط .. ورغبة في التعبير عن الهم الشخصي، أكتر من كونه تطبيق لمهارات تم صقلها أو رؤية متمايزة لوضع ما (سواء شخصي أو عام).

يمكن ده أكتر عرض بقى الجمهور "كورس" مع العرض يضحك في لحظات معينة بنفس الدرجة ونفس المدى.. ويصقف في نفس اللحظة بنفس القوة ولنفس الوقت.. 

المخرج محمد مجدي عارف يظبط إيقاع التفاصيل، ويقدم قصة حب بسيطة ومعبرة عن شباب كتير.

العرض ده يعتبر تأليف تم استخدام مسرحية هاملت كعنصر جواه وتيمة خلفية مبنية حواليها القصة الأساسية في المقدمة للولد الجامعي اللي بيحب زميلته ومسؤولياته وتردده بيعوقه عن مصارحتها.. وبياخد مسألة إنه يذاكرلها هاملت المقررة عليها حجة عشان يقابلها ويقعد معاها.. ويقارن بين تردد هاملت وتردده وبين حب هاملت لأوفيليا وحبه لزميلته.

لطيف وشاعري.. ومتماس مع الشباب.. ومضحك.. وممتع.. ومناسب جدا في سياقه بعد رؤيتين واحدة منهم مرتكزة على الحرفية في استخدام الأدوات والتانية مرتكزة على رؤية مميزة.



**

العرض ككل من أوله لآخره بال ٣ رؤى اللي جواه عرض ممتع وملهم. 

ونشكر جدا مركز الإبداع وأ. خالد جلال على الدور المهم في ضخ دم جديد مميز للوسط المسرحي.. لإن أول وأهم خطوة في إتاحة الفرصة للشباب والفنانين هو إتاحة التدريب الملائم وإتاحة المساحة لمشروع يتم التطبيق من خلاله.. 

ونحذر ال ٣ مخرجين إنهم بادئين من مستوى عالي.. ولما يبقى ده مشروع تخرجهم، فمنتظر منهم في أعمالهم التالية إنهم ما يقلوش عن المستوى ده إن لم يتجاوزوه..

وخلونا نفتكر إن مركز الإبداع طلع منه مخرجين مهمين كتير منهم قدموا أعمال قوية جدا وفارقة في البداية ونالوا حماس واستحسان الوسط المسرحي وخدوا جوايز في القومي والتجريبي .. ثم للأسف بدأوا يكرروا نفسهم ويستهلكوا أدواتهم من غير تطوير ومن غير رؤية.. أو فضلوا إنهم يعملوا حاجات مسلية وخلاص.. تتشاف مرة واحدة وتتنسي.. زيهم زي بقية الناس.. أو اختفوا أصلا وما عادوش بيقدموا حاجة!

***

كلامي اللي فات كان مركز على المخرجين والتدريب فقط لأن العرض بالأساس مشروع تخرج للمخرجين دول.. 

لكن ده لا ينفي المجهود الجميل والمميز لبقية عناصر العمل المهمة من ممثلين لمصمم الإضاءة للمخرج المنفذ لمساعدي الإخراج.. 

وحابة أنوه عن الممثلين اللي عجبوني في ليلة العرض اللي حضرتها (يوم السبت)  

مع ملاحظة:

 ١)ده مش رأي عن الممثلين دول ولا عن الممثلين التانيين بشكل عام.. لكن عنهم في ظرف محدد وليلة عرض محددة.. ليه بقى؟

*

٢) عشان لو هنقيم ممثل بالذات فلازم نشوفه في أكتر من عرض، وفي العرض الواحد نشوفه في كذا ليلة عرض.. عشان نعرف إيه الثابت وإيه المتحول المتأثر بظروف ما 

*

٣) فيه ممثلين حضورهم هايل جدا ومشع كأشخاص.. لكنهم في الحقيقة ما بيمثلوش وما بيبذلوش مجهود اتجاه الشخصية.. ولو شفته في كذا حاجه هتلاقيه بيكرر نفسه .. هيبقى مبهر جدا لما بتشوفه لأول مرة، بس بتقفشه لما بتشوفه في كذا حاجة.. ولو كمخرج بقى لففت عليه أدوار المسرحية كلها هتلاقيه بيقدم نيرف الأب زي نيرف العم زي نيرف أحدهم.. 

*

٤) وفيه ممثلين بتلاقيهم طاقة وحيوية مادام الدور شبههم وبيحكي عنهم.. فيمارس ذاته الشخصية في التمثيل.. لكن لو حطيته في شخصية ليها متطلباتها الخاصة، بينطفي وما بتاخدش منه حاجة.. أو تلاقيه مدخل نفسه برضو في الشخصية اللي مش شبهه.. فنلاقي آداءات مش متسقة مع طبيعة الشخصية المتقدمة.. فممكن جدا ناس من اللي عاجبني هنا، يبقى رأيي سلبي عنهم كمجمل لو شفتهم في حاجات تانية

**

*

فالناس اللي كانوا طاقتهم مشعة / أو بيمثلوا كويس (نتيجة إني شفتهم في العرض نفسه في كذا دور) في ليلة العرض دي في العرض ده كانوا كالآتي (واعذوروني مش عارفه أسماء الناس كلها):

اللي عامل دور الجرسون (القصة التالتة) - محمد مجدي  (القصة التالتة) - رحاب عصام (القصتين الأولى والتانية) - اللي عامل دور هاملت في القصة التانية - اللي عامل دور هاملت  في القصة الأولى - رامي عبد المقصود  (القصة التانية) - محمد حافظ (القصة الأولى والتانية).




***

العرض مستمر لحد الخميس الجاي على مركز الإبداع الساعة ٩ م .. الدخول مجانا بدعوة من الشباك هناك