هل كانت مصادفة حقا أن أترك تدوينة تسنيم و بوستها الأخير الغارق في الواقع المصري المرير الذي تم تلخيصه في العبارة التي صارت محملة بدلالات البؤس و الفساد و السخرية : " هيه دي مصر يا عبلة " ، لأجد تدوينة الفارس الأخير التي تحاول استنباطا لما يمكن أن يؤول إليه الوضع و تؤول إليه السلطة ( المملوكية ) – كما وصفها – بعد ( اختفاء ) عائلة مبارك ، و هي لحظة قادمة – ربما – لا محالة ، مهما كانت المماطلات التي يماطلنا إياها الزمان ؟
غالبا – أمر بالتدوينات و ( المداونات ) السياسية كعابرة سبيل لا أكثر
شعوري بسخف المسرحية السياسية يمنعني غالبا من مجرد الاهتمام
كلمة ( مسرحية سياسية ) ( سخيفة ) ليست على سبيل المجاز ، بل هي واقع جدير بمسرحية طويلة مملة ، ملفقة و مصطنعة غير جيدة الحبكة ، تعتمد على المواقف المتتابعة التي لا علاقة لها ببعضها البعض إلا في الافتعال ، و تحاول جذبا لانتباه الجمهور و الحصول على بعض من مشاركته لتكسب وجودها معنى ، فلابد من جمهور ليكون هناك معنى لمجهود الفرقة في التمثيل ( هايمثلوا على مين يعني ؟ )
لفت نظري بشدة افتراضية الفارس الأخير أن ثمة دور ل ( الشعب ) في إعطاء الشرعية أو المساندة لمن قد تؤهله إمكاناته لدور البطولة القادم --- عزيزي الفارس الأخير --- رجاءا --- أعد حساباتك ، و أسقط منها هذه الكلمة الفضفاضة التي لا تدل على شيء ---- ------- هذا ( الشعب ) لا أحد
في احدى المصالح الحكومية التي يعمل بها أحد أقربائي ، ندم الموظفون أشد الندم لأنهم رفضوا الذهاب للجان انتخابات مجلس الشورى الماضية مع من وافق من زملائهم على الذهاب ، فقد أخذ زملائهم أكثر من مائة جنيه ذلك اليوم ( ده غير الفطار و الغدا الجامدين ، و الذي منه ، و كله تمام التمام ) ، نظير إغلاق أبواب اللجان تماما أمام المنتخبين و القيام هم بملء الصناديق بطريقتهم ، و القيام بالمهمة كلها و حملها عن كاهل باقي ( الشعب ) --- أليس هؤلاء الموظفين هم الشعب ؟ و من يعطي صوته لهذا الشخص أو ذاك نظير خمسة جنيهات أحيانا لا أكثر ، أليس هو الشعب ؟
و من يمارس العهر النفسي و الأخلاقي بدءا من مدرسي المدارس الذين يقومون بحل الامتحانات كاملة في لجنة الامتحان ، و قد يكتبون لهم بأيديهم في ورقة الامتحان تحت سمع و بصر و ( توجيهات ) رؤساء اللجان و مدير المدرسة ------------- بدءا من آباء و أمهات ينقلون حكمة الأجيال الخالدة بالسير جوار الحوائط – و داخلها إن أمكن – إلى أبنائهم ------ و حتى أولئك الذين نسمع أو نقرأ عنهم من الهاربين بالمليارات ، و الأطباء عديمي الضمير ، و حاكمي البلد ذوي الثروات غير المشروعة --- أليس هؤلاء هم الشعب ؟
*****
سألني أحد الأصدقاء مرة إذا ما كنتُ أحب هذا البلد و أشعر بالانتماء له أم لا
و ها أنا ذي أؤكد : لا علم لي
لا أعرف حقا ما إذا كان الانتماء إجباري كظروف ولادتنا و تنشئتنا ، أم يمكن للمرء اختياره ؟ و حتى لو أمكن له اختياره --- فعلى أي أساس ؟
لم أسافر من قبل لبلدٍ آخر لأعرف --- و لا أعرف حقا معنى الانتماء الحقيقي
هل هو " مصر هي أمي " --- و تلك الشعارات التي شروها في أدمغتنا صغارا ؟
أم هو شعورٌ بالأمان و الثقة في مكان ما ؟
شعورك أنه من حقك كما هو واجب عليك أن تزرع زرعةً ما هنا أو هناك ، أن تبني مكانا أفضل ، أن تغير شيئا بيدك في بلدٍ تعتقده لك ؟
هل تعتبر نفسك صاحب بيت إذا ما كان غير مسموح لك ب ( التفكير ) في امكانية تغيير لون الحائط مثلا ، أو تحريك كرسي من مكانه ، أو تنظيف البيت ، أو التمدد بأمان و راحة على إحدى أرائكه ؟
هل مسموح لنا بالتفكير في المعاونة في ( تنظيف ) البيت الأكبر الذي ننعته ( وطنا ) ، التخلص من قاذوراته ، جعله مكانا أفضل لمعيشتنا ثم التمدد براحة و أمان فيه ؟
هل يثلج صدورنا شركاؤنا في السكن الصادقون الشرفاء الودودون الذين يمدون يد المساعدة و يحاولون نفس المحاولة في تنظيف البيت و تجميله ، و يمكن الاعتماد عليهم وقت ضيقٍ أو شد ة؟
أعتقد أن هذا ما يمكن أن يحدد معنى الانتماء
******
أذكر جيدا أن هناك جزءا أثار ضحكي جدااا من هذه المسرحية الطويلة المملة على المسرح السياسي ، تحديدا في تلك ال
Episode
الخاصة ببرنامج الرئيس الانتخابي أيام كانت المسرحية في أوجها
بناء كام ألف مدرسة
بناء كام ميت مستشفى
توظيف كام مليون شاب
إلخ
صار كل منا جزءا متناهي الضآلة من رقم ما ، و صارت أحلامنا بضعة مبان ٍ جديدة لا أكثر
فأنعم به من وطن ٍ ذاك الذي تتحول تحدياته و احتياجاته إلى مجرد أرقام
تصفـــيـــــــــــــــــــــــق حــــــــــــاااد
أعجبتني تلك المقولة لكونفوشيوس عندما قرأتها :
سُئل " كونفوشيوس " – حكيم الصين و فيلسوفها – مرة عن صفات الحاكم المثالي ، فأجاب :
" إنه الحكم الذي يجد الناس تحت ظله غذاءا كافيا ، و جيشا ً جرارا يحميهم ، و ثقة عظيمة في حكامهم " ، و سُئل عما يمكن الاستغناء عنه من هذه الأمور الثلاثة إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، فقال : " أفضل أولا الاستغناء عن القوة أو الجيش " ، ثم سُئل عما يمكن الاستغناء عنه بعد ذلك فأجاب " أفضل الاستغناء عن الطعام ، إذ ما أكثر من ماتوا جوعا من الفراد في كل جيل منذ أن وُجد الإنسان ، و لكن لم يحدث أن عاشت أمة بدون ثقة في حكامها "