ليس إحتراما فقط في الواقع .. بل قل : إعجابا ، إنبهارا ... شيءٌ من هذا القبيل ..
أولا : هي تلعب دورها بمهارة و إتقان .. لا ، ليس دور " الشرير " في الأفلام التقليدية ، بل دوره في الأفلام الحديثة التي نرى فيها الذكاء ، الإدعاء ، البراعة ، الاختباء أحيانا وراء مظهر وديع ، التخهطيط السليم و التنفيذ الحاسم الذي يضرب بقوة و عنف مطيحا ً بالأبطال " الخيرين " قاضيا عليهم دون أن يهتز له جفن أو يراوده شعور " عبيط " بتأنيب الضمير أو أن تتراءى له أسلحته و دماء الضحايا تقطر منها
/ فللأسف لا مكان هنا للخيال الشكسبيري القديم : للأيدي التي لا تغسل المياه ما بها من دماء ، و لا لتلك الآداة المباشرة البسيطة المسماة " خنجرا " :
" فالزر الإلكتروني يعمل وحده
لا قاتلٌ يصغي إلى قتلي
و لا يتلو وصيته شهيد "
كما يقول درويش
هي فقط - إسرائيل - تلتزم بدورها و لا تحيد عنه . و هل منتظر من العدو أن يكون شيئا آخر غير عدو ؟ هل منتظر من اللص الذي يقفز على بيتك لينهبه بل و ينهب وثائقه ليدعيه منزلا له أن يكون بك رحيما ؟ أم أن عليه إرعابك و إسكاتك حتى لو قضى على أهلك جميعا ثم تسلى بقتلك بعد ذلك ؟ هل منتظر من مصاص الدماء شيء آخر غير أن يقتات على دمك ليعيش ؟
إذن ما يحدث طبيعي جدا : قتِّل .. حطم ... دمر ... بعثر ... فجِّر ... هذه هي القاعدة
أما ما أثر إنتباهي حقا - و لا يزال - فهو مقدرتهم الدعائية الباهرة - فنانون حقا - فيما يتعلق بتعذيب هتلر لهم و تلك القصص التي تُدمي القلب و تدفع بإشفاق الجميع معهم عن الهولوكست أو المحارق الجماعية التي دُفع إليها اليهود أيام الحرب العالمية الثانية ... و كيف أنهم نجحوا في جعل إنكار هذه الأحداث " تُهمه " عالمية يُعاقب عليها القانون !
لا أعتقد أن هناك تهمة صريحة اسمها : معاداة الملك أو الرئيس ، أو معاداة الأديان ، أو تهمة إنكار وجود الله مثلا ...
أتساءل حقا عن تلك العقلية الجبارة التي استطاعت أن تجعل التشكيك في شيء يتعلق بوجودها تُهمة تستوجب العقاب - في عصرنا هذا - و هو الذي لم تستطع فرضه حقا أي أيدلوجية أخرى أو أي دين أو أي إفتراضية وجودية كبري من الأسئلة التي نتفق أو نختلف جميعا حولها !!
بل ، كانت دهشتي تتضاعف كلما سمعت عن التعويضات التي استطاعوا جنيها من وراء هذا الأمر !
ثم ، سعيهم ل " تبرئة " صورتهم ، و دفعهم الكنيسة إلى إعلان برائتهم من دم المسيح بعد الواقعة بما يقرب من ألفي سنة إلا قليلا !
نشاطهم في الإستيلاء على الأرض من أصحابها الأصليين ، و في قتال أعدائهم بحماسة ، و القتال على أكثر من جبهة أحيانا : مصر ، سوريا ، لبنان ، فلسطين ...
بل أن تُثبت دولة وجودها : تولد ، تتكون ، تمد أذرعها ، و تثبت لها مكانا على الخريطة في ستين عاما لا غير / و تهنئها بعض الدول بعد ذلك في ذكرى إقامتها حتى بعض أعدائها القدامى / و تدافع عن هذا الوجود غير الشرعي بكل ما أوتيت من قوة متوسعةً في وجودها ، محاولةً القضاء على الوجود الشرعي لوطن آخر بثقة و إصرار و كأنها صاحبة الحق
- يفرض الخيال الشكسبيري نفسه هنا فأتذكر إدجر و إدموند في مسرحية الملك لير -
كيف تفعل إسرائيل هذا كله ؟
بأي عقلية و أي قوة و أي استراتيجية تحقق ما تحقق ؟
بينما أولئك الذين يُقتَّلون كل يوم ، و يستصرخون مساعدة ً و يطلبون ما لهم فعلا غير قادرون على لفت العالم لقضيتهم أو لحقهم الضائع و لا حتى بصورهم و هم يقتلون و يشردون و تُدمر منازلهم و تُسرق أوطانهم ؟
" لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟"
المشكلة التي لم يرها " أمل دنقل " أن كلماته مطبقة بحذافيرها ، و لكن بصورة عكسية
فالموت يُوزع بشكل مجاني تماما على العرب - بأيديهم كما بأيدي أعدائهم - ، بينما دم اليهود منذ أيام هتلر له وضعٌ آخر لا يمكن أن يساووه بدماء العرب
- حقا أكره أن أتحدث لغة الأيدلوجيات أو الأعراق و الأجناس أو الأديان ... فطفلٌ يموت هو طفلٌ يموت مهما يكن جنسه أو وطنه أو ديانته ؛ و شعبٌ يُدمر هو شعبٌ يُدمر في أي مكان في العالم ، لكن الوضع الغريب الذي نعايشه يفرض نفسه بقوة -
لو حد فعلا عنده إجابة ياريت يقولها