السبت، مارس 17، 2018

بطيخة المسرح الحلوة



قد تتحمس لمشاهدة عرض ما بناء على ترشيحات الآخرين، لكن توقعاتك التي شيدتها لا تكون على نفس مستوى العرض. وقد يقول لك آخرون أن العرض لم يعجبهم، لكن لدهشتك قد تعد هذا العرض المسرحي هو أفضل ما حدث بحياتك! قد تذهب إلى مسرحية من بطولة ممثل مشهور سينمائيا أو تلفزيونيا، لتدهش عندما يعجبك أكثر دور صغير لممثل لم تره من قبل. قد تذهب وأنت على علم بالنص المسرحي الذي قرأته من قبل، لكنك تجد عوالم أخرى انفتحت في العرض تتساءل معها كيف غابت عنك وأنت تقرأ؟
تدخل المسرح والجو خانق حار وممل بالخارج، وتخرج وقد انتعشت روحك وصرت شخصا آخر قادر على الضحك أو البكاء أو على الأقل: قادر على الانسياب في الحديث مدحا أو ذما فيما شاهدت، مستمتعا في الحالتين بالتدفق الذي انفتح داخلك وكأنما قد فتتت صخرة كانت تجثم على صدرك.
وقد تخرج من المسرح، فتجد عاصفة ترابية قد أوقعت الشجر وأطاحت بالسيارات وعكرت أمزجة الناس بالخارج، بينما أنت من تسير فوق السحاب شاعرا بالمتعة والابتهاج.
وفي كل الأحوال، فتجربة "الحضور الجسدي" داخل المسرح تجربة فريدة دوما، لأنها تعتمد على الحضور الآني والمكاني للبشر معا جمهورا وممثلين، خاصة في عصرنا الذي تحولنا فيه جميعا إلى بضع كلمات وصور في وسائل السوشال ميديا، وقد صارت الشاشات تفصلنا أكثر من ذي قبل.
"الحضور" المسرحي تجربة مميزة حتى لو كان حظك عرض مسرحي لم يعجبك. هناك حيث "يتنفس الممثلون والجمهور معا، ويغير التمثيل من الطريقة التي يتنفس بها الجمهور." بكلمات الكاتبة والمخرجة الأمريكية "كارين مالبيد"، والتي شبهت- في إحدى الورش التي قدمتها بمصر منذ سنتين – التجربة المسرحية كتجربة "اليوجا" حيث لا تفعل شيئا سوى السكون والمشاهدة، فتسمح للاحتمالات المختلفة أن تقدم نفسها لك.
دوما هناك طاقة مختلفة داخل المسارح، سواء كانت الطاقة التي يضيئها الممثلون أنفسهم، أو طاقة الجماهير المتفاعلة.
قد تسب الازدحام طوال يومك وتُصدق على مقولة "سارتر" أن "الجحيم هو الآخرون" ؛ لكن الوضع ينعكس داخل المسرح.. يدخل الناس غرباء، ويخرجون وهناك شعور ما من الألفة والسلام اتجاه بعضهم البعض. فقد عايشوا معا نفس التجربة منذ لحظات. والغريب حقا أنه قد تنشأ حوارات تلقائية بين بعضهم بعد انتهاء العرض المسرحي.
وفي هذه التجربة، قد مستهم جميعا اللحظة المسرحية بعصاها السحرية، فانطلقوا معا في ضحك أو تصفيق أو ترديد لكلمة ما بشكل تلقائي معا.
قد يحيرك العرض أو عنصر من عناصره، متساءلا ماذا سيحدث وكيف؟ ليس فقط فيما يتعلق بالأحداث الدرامية، بل ستدهش كثيرا أن هناك عناصر أخرى ستجذب إنتباهك وتفكيرك من إضاءة وديكور وملابس وحركة، وصورة كاملة تتشكل وتعطي معنى أو شعورا يصاحب معنى الأحداث أو يضيؤه بشكل آخر.
أذكر جيدا أحد العروض المسرحية التي حضرتها منذ أكثر من اثنى عشرة سنة .. كان لفرقة هواة من نوادي المسرح التابعة لقصر ثقافة الزقازيق. دهشت بمجرد دخولنا المسرح، وترددت وكدت أخرج، فليس هناك أي أثر على خشبة المسرح يدل على أن هناك عرض سيقام بعد قليل.. خشبة جرداء تماما.. لا ديكور.. لا خلفيات .. ولا الحركة المعتادة النشطة لمساعدي الإخراج وفريق العمل .. لا شيء.. وأعدت السؤال: هل هناك عرض مسرحي اليوم فعلا؟ وكان الرد أنه سيبدأ بعد قليل. جلست متوقعة الأسوأ.
ثم، مع بدء العرض تضاعفت دهشتي وأنا أجد الحياة والعمران يدبان مرة واحدة على الخشبة، وقد ارتدى بعض الممثلين ملابس فضفاضة مرسومة محولة إياهم إلى "حوائط" ، وصاروا يشكلون المكان تلو الآخر بأجسادهم مع الإضاءة ثم يهدونه: البيت – المدرسة – المكتب – مستشفى المجانين – قسم الشرطة .. مانعين البطل من الوصول لهدفه، ومانحين الآخرين سلطاتهم التي يرتكزون عليها..
وفي عرض آخر، كانت قطعة قماش مثل "عصا موسى" ، تتحول في ثوان مع الممثلين إلى بحر متلاطم الأمواج، ثم إلى "جلابيه لف"، ثم إلى شيطان مخيف..
وفي عرض ثالث، تفجأ بالموسيقى الصادرة من ملاعق وأكياس بلاستيكية وحركة الممثلين معا.
وفي عرض رابع، تفجأ بقطة تسللت إلى خشبة المسرح، ووقفت بطريقة بعينها ونظرت بطريقة معينة، ثم ذهبت في لحظة بعينها وكأنها جزء من العرض المسرحي! حتى لتحصل على "سوكسيه" كبير من الجمهور.
"مثل البطيخة المقفولة".. هو المسرح. لكنك ستتغذى بها وترتوي بقدر ما، حتى لو أوقعك حظك في "بطيخة قرعة".

ليست هناك تعليقات: