الثلاثاء، يوليو 01، 2008

ذاكرة التيه

إذا كان "فرويد " يُرجع الإضطرابات النفسية للجنس ، فإن بطلة " ذاكرة التيه " تأخذ الإتجاه المعاكس
تفتش داخل ذاكرتها ، انكساراتها الماضية و روحها الخائفة عن جروحها التي وسمت تلك الروح ، فمنعتها من الشعور بالتحقق و استكمال ومضة السعادة خلال لحظة الاندماج مع الزوج لتجد نفسها أمام جبلٍ ثلجي يبرز بقسوة فيما بينهما
( جبل الثلج ... هل كان هو الذي يتوارى وراء ذلك الشعور الخفي و المخفي و المتخفي تماما بعدم الاكتمال ؟ )
لتتعلل هي أمام قلقه و توتره بـ " الضغوط التي تتزايد يوما عن يوم " / " الضغوط المزمنة جداً و العادية جداً هي التي جعلتها تنقلب على هذا النحو "

هي تشبهنا كثيرا : بنمط تفكيرها ، خضوع حياتها لأخطبوط اسمه الأهل و التقاليد و ما هو مفروض ، ببحثها الدائب عن الحب ، عن الإنتماء ، عن حقيقة ذاتها ... هي منا و علينا - كما يقولون
و هذا التماس وحده و بعض من متعة آنية مبرران جيدان لقراءة الرواية

لكنها للأسف مازالت ضمن المضيق الصغير المسمى " أدبا نسائيا " ... الذي يتمحور حول المرأة و يغزل حولها خيوطه و لا يتركها لشيء آخر
أدباً ( جوانيا ) في المقام الأول ، و لا يخص بـ ( جوانيته ) سوى البطلة
و بالتالي تسطيح كبير للشخصيات الأخرى التي وردت كأطياف عابرة على الرغم من إفتراضية فاعليتها و تأثيرها في مسار حياة البطلة / أو التعامل مع تلك الشخصيات بإطلاق الملاحظات و الأحكام
تعتمد "عزة رشاد " نفس تكنيك " إكتشاف المناطق المعتمة من الماضي من خلال الأحلام " الذي اتبعته "إيزابيل الليندي " في " صورة عتيقة " ، فنجد الأحلام التي تبرز فيها تلك ( الصغيرة ) التي كانتها البطلة ، و إضاءات متفرقة ( واضحة مباشرة في رواية "عزة رشاد" ، يكتنفها الظلال الساحرة و الغموض الذي يتكشف تدريجيا على مدى الرواية مع " إيزابيل" ) على ذلك الماضي البعيد جداً الذي يأتي كإشارات تعيد البطلة إلى مواجهة نفسها ، و مواجهة تلك اللحظات التي تركت فجوات غامضة في روحها في مرآة ماضيها ، من أجل التصالح مع الذات
لكنه - بالطبع إذا تحرينا الموضوعية - سيكون ظلما فادحا إذا ما حاولنا مقارنةً بين رواية بسيطة مباشرة لم تتخل عنها المتعة و القدرة على لمس القاريء ، و بين أخرى ناضجة آسرة تحتوي بين دفتيها عالما كاملا متكاملا لم يطغ فيه وجود البطلة ليسطح كل ما حولها ، بل على العكس ؛ تعددت فيها الشخصيات و تعمقت و تشابكت مع خلفياتها و خلفيات البلد الاجتماعية و السياسية و الثقافية و ما كان يمر في العالم من أحداث ..
هي - في رأيي - ليست مشكلة تثيرها رواية " عزة رشاد" ، بل تثيرها كتابة " المرأة العربية " بشكل عام ، خاصة عندما تدشن لذلك الفخ الذي اجتذبوها إليه المسمى " أدبا ً نسائيا " ... و الذي تتضخم فيه ذاتية المرأة / البطلة / الكاتبة أحيانا ، فلا تكاد ترى في العمل سوى عالما ً ضيقا ً جدا ً يتكرر بنفس ملامحه في كتابات هذه الكاتبة أو تلك ، و في الكتابات " النسائية " عموما
ربما هي مرحلة ضرورية لازمة بعد أن تسلمت المرأة " المايك " لتتحدث عن نفسها و عن عالمها كما تراهما هي ، لا كما يراهما و يفرضهما الآخر / الرجل
لكن هذا الإغراق في الذاتية و الطواف حولها وحدها ليس ما يصنع الفن الحقيقي الخالد
هي مرحلة لازمة ، لكن الرجاء كله في ألا تطول أكثر من هذا و ألا تأخذ أكثر من وقتها

هناك 3 تعليقات:

غادة الكاميليا يقول...

ده الشيء الملاحظ جدا في معظم الأدب النسائي الي يخرج عن امرأه عربية خاصة
لكنه كما قلتِ مرحلة ضرورية لأن الباب فتح متأخراً عن ميقاته الطبيعي أو عن مواقيت فتح فيها في بلدان أخرى
رواية عزة رشادة لمستنى جدا ومجموعتها القصصية التى جاءت بعد هذه الرواية ربما توجد في نفس الحيز أنا شخصيا اعتقدت سبق الرواية عن المجموعة واتضح لى العكس
كما قلتِ ان الانتظار لايطاق لكنى انتظر رواسة جدسدة تتخلص من محورة الأنثى بالمفهوم المجتمعى ليس انتظارا للتمرد فقط وانما لتمرد واعى
المهم أن هناك خطوات
نقدك عجبنى جدااااااااااااا
هشوفك امتىىىىىىىى؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ست الحسن يقول...

مساء الخير

لقد قرأت هذه الرواية (ذاكرة التيه)
ولقد استطاعت أن تجذبني معها إلى آخر صفحة ربما هي البطلة التي تتشابه معنا جميعاً في أحلامها البعيدة وواقعها المحبط

أو ربما علاقتها التي تسكن رأسها هي وحدها ( منتصر ونادر )
أو هو وهم الرجل الذي سيعرف كل شيء وسيجذبها إليه برغم خوفها

لا أعرف
عندما قرأتها شعرت أنها جاءت في وقتها المناسب كعلامة

علامة على ان الحلول الحقيقية لا تأتي هكذا من الطرف الآخر وإنما تحتاجنا نحن بكامل وعينا وإدراكنا لنسجها

لا أري أي وجه للمقارنة بين عزة رشاد وإليزابيل الليندي
فأسلوب عزة مختلف وعالمها مغاير تماماً
إليزابيل الليندي ذات نكهة خاصةً جداً
لدرجة تجعل من الصعب مقارنتها بأحد

شغف يقول...

غادة :
هوه كده بالظبط : التمرد الواعي

المشكلة إن الكتابات النسائية غالبا بتتعامل مع المجتمع من حواليها بنبرة سخرية و تعالي ، مش محاولة للفهم / بتمارس نفس اللي بيعمله المجتمع معاها /

كان فيه نقط تانية كنت كتبتها من يومين ردا على التعليق ، بس كالمعتاد كله رااااح و الصفحة قفلت مرة واحدة :( و مش فاكرة قلت ايه المرة اللي فاتت
يالا خد الشر و راح




ست الحسن و الجمال :)
يسعد صباحك و المسا

هيه دي ميزة كتابة المرأة بشكل عام ، إنها فعلا قادرة إنها تاخدك في تفاصيل العالم بتاعها ، قادرة تجذبك من أول كلمة لحد ما تخلصي أخر كلمة فيها ، و قادرة انها تديكي قدر آني من المتعة

بس اللي بأتكلم فيه هوه : بعد ما تقفلي الرواية ، ايه هايبقى منها معاكي ؟ ايه هأيتغير في إدراكك و تعاملك مع الحياة و نظرتك ليها ؟

كل اللي بتاخديه غالبا ، كام حتة أدبية عاليين بتنقليهم في دفترك الخاص

لكن التفاصيل دي كلها بتتلاشى ، و مش بتبني جواكي حاجة
مش بتعمل شخصية تبقى معاكي و تحسيها كأنها من لحم و دم ، ليها مميزاتها و نقط ضعفها و صراعاتها ( اللي بجد اللي قادرة تشوفيها قدامك و تحسي بيها و بألمها و بأزمتها / مش مجرد حكي بتتعاطفي معاه زي ما بتتعاطفي مع أي واحدة صاحبتك بتحكي ليك مشكلة مثلا أو بتفضفض معاكي تصعب عليكي شوية ، بعد كده خلاص تمشي في حياتك و لا كأن حاجة اتغيرت فيكي /

ده غير طبعا إن البطلة في الكتابات النسائية بطلة متميزة دايما ، كاملة متكاملة مافيهاش عيب / من وجهة نظر الكاتبة طبعا / ، و عايشة في مجتمع ابن ستين في سبعين مش قادر يفهم عالمها المثالي عن الحرية و الحب و الحياة

كلنا كده كبنات على فكرة و بنفكر كده
بس لو فضلنا نفكر كده على طول فده معناه عدم نضج انك شايفه ان اللي حواليكي غلط / لرغبة دفينة حقودة في تعقيل مسيرة الإنسانية المتمركزة في شخصك /
و انتي اللي صح على طول الخط
و مافيش مجال للفهم / ليس منهم اتجاهك فقط ، لكن منك اتجاههم /
و فيه مجال بس للصراع و للتخطيء و رمي التهم المتبادلة بالوأد
كتابات المرأة ما بتحاولش ( تفهم ) المجتمع اللي هيه بتكتب عنه ، و كل اللي شايفاه عدم فهمه أو استيعابه ليها
كل اللي شايفاه ذاتها المتألمة / و هذه حقيقة إن معظمنا كجيل اولا ، و كبنات بعد ذلك اتعرضنا طول حياتنا لأنواع كتيرة من الرفض و السخرية و الخداع : بإختصار : للألم /
و طبيعي محاولة العلاج ، بس كل اللي بأقوله إن الفترة ما تطولش في ترميم و علاج اللي فات ، محتاجين نبني بقى



عالم " إيزابيل " فعلا مميز جدا ، و يبقى ظلم زي ما قلت مقارنة عالم " عزة رشاد " بيه
و العالمين متمايزين أصلا
بس النقطة إني لاحظت استخدام تكنيك رجوع الطفلة التي كانتها البطلة عشان ترشد البطلة في حياتها من خلال أحلامها ، في الروايتين
و لاحظت طبعا دي عملت ده إزاي ، و دي عملت ده إزاي ، فالنقطة دي استدعت انتباهي
و فيه نقطة مشتركة كمان ، و هيه حتة " الصور " اللي كانت محور أساسي من رواية إيزابيل ، و بعض الأحداث اتكشفت و اتطورت من خلالها ، و كانت جزء أصيل من عالم البطلة أصلا
و لما نفس التفصيلة استخدمتها عزة رشاد بشكل عابر تماما و دخيل على الرواية ، بس مبلوع يعني
هيه النقطة اللي فجرت ده كله حتة تفكيري في هل كتابات المرأة قاصرة على الوصول للفن الناضج الذي يصنع علامة ؟ و لا هيه مشكلة كتابات المرأة العربية بس اللي عاملة الفجوة دي ؟