الأحد، يونيو 26، 2016

يا مداام ... يا آنسة ..

"يا مدام ... يا آنسة " 
يجرح أذني النداء ، ويضايقني .. 

"التحيز المعتاد ضد النساء.. ف حتى في النداء هن تابعات .. يتم نداءهن طبقا لما يعتقده المنادي لحالتهن الاجتماعية! " 

" يا متجوز .. يا متجوز" 
" يا عازب .. يا عازب" 
ألا يبدو النداء جنونيا وغريبا عندما تحاول تذكير القاعدة التي يتم التعامل بها مع النساء؟ 

وبدلا من أستاذ محمد .. تناديه يا المتجوز محمد .. أو يا محمد يا متجوز.. أو يا العازب محمد ..  
أو يا آنس محمد .. يا راجل محمد .. 

تدور الأفكار بسخط في ذهني عادة عندما يتم استعمال كلمتي "آنسة" و" مدام" .. أو يتم -بكل سماجة- السؤال: آنسة ولا مدام؟ 

بل؛ ومحاولة التخمين أيضا ! نظرات مدققة وازنة الجسد وطريقة اللبس والعمر .. والله أعلم ماذا أيضا ! 

"أستاذة"
لأجد الدهشة ممن قد يتداول معي الموضوع: ليه وانتي محامية؟ ليه وانتي مدرسة؟ 
لأسأل السؤال المنطقي: لما بتحب تنادي واحد ما تعرفوش بتقوله يا إيه؟ وكل اللي بتقولهم يا أستاذ بيبقوا مدرسين أو محاميين؟ 

*********

"يا مدام ... يا مدام " 

تمر السنون ليضايقني النداء أكثر ... تخفت اعتباراتي النسوية قليلا لأكتشف أن كلمة "مدام" كلمة أكثر ثقلا من "آنسة" على ما يظلل الاثنين من اعتبارات سمجة ... 

فكرت: هل لعدم زواجي حتى الآن دخل في هذا؟ 

أحاول أن أتخيل الموقف وأضع نفسي داخله: متزوجة، ولدي أبنائي، وأحدهم يناديني: يا مدام ... 
لأجد أن الأمر أكثر بؤسا بكثير.. وأستشعر ثقل الكلمة أكثر فأكثر ... 

... 
أتكشف الأسباب: الكلمة تشعرني بأن عمري يزداد، وأني أترك تلك الفتاة الخفيفة الشابة ضئيلة الجسم إلى امرأة ناضجة جسما وشكلا وبالتأكيد روحا وموضوعا ... 
نفقد براءة أرواحنا ويصير العالم الذي كان واسعا رحبا عملاقا في أعيننا مجرد لعبة أشبه بالمكعبات .. وضئيلا وعاديا ... 
ألم أصبح أنظر هكذا غالبا إلى هذذا العالم؟ 
ألم أكتشف عدة اكتشافات غيرت نظرتي تماما للناس والعلاقات والأشياء والحياة؟ 
ألم أعد - مثلا- أنظر إلى كل علاقات الحب والإعجاب التي مررت بها في حياتي، والتي يمر بها 99.9 % من الآخرين إلى كونها مجرد نداء الطبيعة الغريزية لا أكثر؟ ! 
وكل تلك النظرات التي كنت أردها إلى ائتلاف الأرواح، وإلى أفاعييل السماء، وكنت أبتهج بها و"أنكسف" منها، ألم أعد أردها إلى قدرات الذكور في تجميع قواهم الجنسية وصبها في نظرة إلى فتاة يشتهونها؟ ألم أعد أواجه مثلها بجرئة واستخفاف وحسم جاعلة من يحاولون هم من يحيلون نظرهم إلى الأرض، وليس أنا كما كنت أفعل وأنا بعد تلك الفتاة الساذجة؟ 
ألم أكن أحن في صغري لعيش أجواء فيها زخم سياسي واجتماعي كبير كمثل ما كانوا يدرسونا إياه صغارا؟ ألم أعد أرى كل هذا "كلام فارغ" وإدعاءات ، بل و "لعب عيال" - سلطة وثائرين؟
ألم أعد أرى أن ليس هناك من تقدم أو تطور حقيقي نحياه؟ ألم أعد أحن إلى حياتنا في فجر التاريخ، وأرى أننا لم نتحرك كثيرا كبشر من هناك، وكل ما تغير فقط هو ما حولنا من أشياء، وليس نحن حقا؟ بل أحيانا.. بعض حلقات أسلافنا أكثر تطورا منا ؟
ألم أعد أنظر للحياة نفسها إلى كونها أشبه بدورة المياه التي تتبخر وتصعد لطبقات الجو العليا في صورة بخار، ثم تتجمع مكونة سحبا، ثم تمطر إلى الأرض مرة أخرى؟ 
ألم أعد أرى أن أرواحنا جميعا تمر بمثل هذه الدورة الطبيعية بشكل طبيعي فنولد ونحيا ونموت لنولد ونحيا ونموت .. وهكذا؟ 

ألم أعد أرى نفسي مجرد رمز في كود كوني طويل.. وكل ما ظننته يوما من أن أحدنا قادر على تغيير العالم إلى آخر الأفكار الحماسية الطفولية لم يعد موجودا؟ 
ألم أعد أرانا جميعا مجرد أدوات لإيصال أفكار وأحوال بعينها؟ وإذا ما سكنت عن آداء دوري كأداة، فستكون هناك آداة أخرى غيري فاعلة؟ 
لقد كبرت كثيرا ... لقد "شبت" تحديدا ... غزا الشيب رأسي وإن حاولت مداراته بالصبغة حينا والحنة حينا والأعشاب حينا ... 
وليس الشيب ابيضاض شعرات رأسي فحسب، بل كذلك ابيضاض بعض أحلامي .. بعض أمنياتي السابقة ... بعض أفكاري الملونة الصاخبة ... إننا نكبر ونتحول ... حتى لو لم نتزوج أو ننجب ... 

وتأتي كلمة "يا مدام" كخبطة في الرأس تذكرك دائما بهذه الحقيقة ... 
بالإضافة بالطبع لاستدعاء تلك الصورة لامرأة متزوجة لديها مسؤليات كثيرة من زوج وبيت وأبناء ... وغالبا امرأة غير سعيدة.. أحمد الله أني لم أخطو نحو أن أكونها، لكن الكلمة تردني ردا إليها ...
**** 

ليست هناك تعليقات: