فعلا ... فهذا الفيلم عن الحياة
و بما ان الحالة اللي انا فيها- بسبب الفيلم- مخلياني مش عارفه أبدأ الكتابة عنه ازاي ، فهأكتب اللي لفت نظري فيه جدا بصورة نقط:
1) منة شلبي
في هذا الفيلم اكتشاف حقيقي.... بصراحة لم أكن أفضل منة شلبي من قبل ، و كنتُ أشعر بمبالغة من يقولون عنها أنها اكتشاف أو موهبة أو ... أو ... ، و ذلك منذ فيلم " الساحر " مرورا ب " انت عمري " ، " أحلى الأوقات " ، " كلم ماما " / و لا أتذكر ماذا شاهدت لها أيضا / ؛ كنت أشعر دائما أنها " تمثل " .... أنها " أمام الكاميرا " ، لم تكن تمسني في شيء ، و كنت أشعر بفتور و ملل اتجاه من يتحدث عنها بمديح ، فهذا المديح لملامحها ربما ... طريقتها ربما .. أنوثتها ربما ... لكن ليس لتمثيلها
لكن " سلمى " " عن العشق و الهوى" مختلفة تماما عن كل ما سبق ... أداء منة شلبي لهذا الدور كان باهرا، و تحديدا في المشاهد الأولى لظهورها
بل إن تغير اللوكاشن لم أكن أنتبه له بتغير المشهد أو اللقطة ، لكن بتغير تعبيرات "سلمى / منة" ، و طريقة حديثها ، وقوفها ، جلوسها ، ابتسامتها
لتعرف ما اذا كانت في مكتب العمل ، مع رئيسها في العمل / أم مع شخص ترتاح إليه / أم على سجيتها منسحبة ناحية مشكلتها غير شاعرة بوجود آخر معها ، أم مع الشخص الذي تحب .... صراحة .. اكتشافي ل منة شلبي من جديد و اندهاشي أمامها في هذا الفيلم كان مفاجأة وحده ، و إن كان مستوى أدائها قد هبط في الجزء الأخير من الفيلم
2) نسيج الياسمين
احم .. احم
لم أستطع إيجاد تعبير أفضل ؛ بل أصح من هذا عندما فكرت في السيناريو ( بما أن الياسمين زهر ضعيف جدا ، يذبل بسرعة ، و بالتالي صعب الاقتراب منه دون إيذائه فضلا عن نسجه)
لكن " تامر حبيب" استطاع أن ينسج الياسمين ثوبا
* السيناريو رقيق و حساس بدرجة لا توصف
* ده... سينيما بجد ... مش مجرد حدوتة
* في رأيي الشخصي .. تامر حبيب يمسك بخيوطه الدقيقة و الرقيقة جدا بحنكة و مهارة هنا أكثر بكثييييييير من فيلمه " سهر الليالي"
لنتفق أولا : السيناريو ليس هو حدوتة الفيلم - و إلا كان سهلا القبول بحرق الفيلم - بل هو ترتيب معين للأحداث التي تأخذ مجراها خلال " الفعل " و ليس " الحكي " في مجموعة من اللقطات و المشاهد التي تحتوي على الشخصيات و المكان و الزمان ، والعلاقة فيما بينهم
بمعنى آخر .. بالسيناريو ماهو أكثر من الحدوتة ... السيناريو ليس ما يقوله أو يفعله الأبطال فقط ، بل العلاقة بينهم و بين المكان و بين محتوياته أيضا ، وبين ما سبق من اللقطات و ماهو تالى
( أ ) المكان بطلا / الحياة تمضي / أطياف الماضي / افتراض لسيناريو آخر للحياة
( ايه ده كله ؟ ايه ده كله؟
هذا الكلام كله أثاره عدة مشاهد
0- مشهد دخول حبيبة " عمر / السقا " السابقة للكوافير " عالية / منى زكي " في نفس اللحظة التي تخرج زوجته " زينة / بشرا " وهي تتحدث إليه في جوالها
مشهد جلوس " عمر " و " سلمى " في الكازينو في بداية علاقتهما ، ولحظة اعترافه بحبه لها هي نفس اللحظة التي يلاحظ فيها وجود حبيبته الأولى " عالية"
- مشهد جلوس حبيبة "عمر " السابقة " عالية " في نفس الكافيتريا التي تجلس فيها زوجته الثانية " سلمى / منة شلبي "
- لقطة عبور " عمر " بسيارته في الاتجاه الآخر من الشارع في نفس لحظة عبور " عالية " و " أشرف " ( الرجل الذي كان يحبها ) بسيارتها دون أن يلاحظ أحدهما الآخر
في ما سبق .. المكان هو البطل ... لأنه غالبا ما يجمع شخصيات ليست لها علاقة مباشرة ببعضها البعض ( كما في 1 ، 3 ) ، و لكنها أطياف لها علاقة - دون أن ندري - بحياتنا السابقة ، و هاهي حية مجسدة في أشخاص لا نعرفهم و لا نتصور أننا نمت لهم بصلة ؛ بل لا نلاحظهم من الأساس ، فإذا هم قاسم مشترك بيننا و بين الماضي ... و بالرغم من هذا الماضي الذي له حياة ( بشكل ما ، سرية ) في الحاضر ، فإن الحياة تمضي ، حتى إذا ما التقى الطريقان اللذان افترقا في الماضي ، فإن لكل منهما طريق مستقل آخر في المستقبل ، و صارت نقطة افتراقهما الماضية نقطة حياة جديدة مستقلة و مختلفة لكل منهما .. بل ؛ صار كل منهما كيانا جديدا
----------------------------------
ذكرتني تلك المشاهد أيضا ب فيلم sliding doors ، و بالفلسفة التي افترضها عن مفهوم " المكتوب " ، و " القضاء و القدر " ، و السيناريوهات المختلفة لحياة كل منا القابعة خلف تغير تفصيلة ما في أي لحظة من لحظات الحياة
و بما أن أي نص ( أو عمل ) هو نص متناص يفترض وجود ماهو سابق عليه داخله
فشعرت أن ( ما هو مكتوب ) أن يجمع الزمان و المكان الشخصيات الموجودة في أي مشهد من المشاهد السابقة ، لكن العلاقة بين الشخصيات اختلفت حسب القرارات ( و الخيارات ) التي اتخذتها هذه الشخصيات أو احداها في الماضي
فها اي اللحظة و المكان يجمعان - مثلا - عمر و عالية و سلمى ... عمر و سلمى على منضدة ، و عالية تعزف و تغني .... أإذا ما اختلفت البداية ، القرار ، و السيناريو الحياتي لهم ، ألم يكن ممكنا أن نرى الثلاثة في نفس المكان بترتيب و تخطيط و علاقة مختلفة؟
(ب) عنصر السخرية من الادراك القاصر للإنسان
* ..... عمَر يحدث سلمى عن أول حب ، أول كلمة " بحبك " ، أول لمسة ، أول قبلة ... و كيف أن هذا كله له تأثير مختلف و مميز - لا يكرر - للمرء
.......عمَر و هو يقول " بحبك " ل سلمى ، و إذا به يكتشف وجود عالية " الحب الأول " في نفس المكان ، و يبتسم مندهشا و مدركا لسخرية الموقف
* ......عُمَر وهو يخبر سلمى أن علاقتهما خطأ ، و أن هناك آخرين يحبونهم ، لذا يجب أن يعوضا عليهم ما أخطئا فيه
...... عمَر وهو يصيح بابنه و زوجته من أقل شيء
* .....قسمة "زوجة عمَر الأولى " وهي تصرح له أنها كان يمكن أن تجد له كثيرا من العيوب قبل سنتين فقط ، لكنها الآن تخاف أن تُحسد عليه
.... قسمة وهي تدرك أن هاتين السنتين هما عمْر زواج عمَر بأخرى ، و أن سعادتها سببها وجود أخرى في حياة زوجها
* ... عمر عائدا لحبيبته الأولى " عالية " في أزمته بين زوجتيه ، باحثا عن من يشكو له و من يفهمه و ( يفضفض ) معه ؛ و إذا به لا يجد نفسه يفعل شيئا من هذا ، بل ينسى وجود عالية و ينغمس في رسالة موبايل يرسلها ل سلمى : " بتحبيني؟"
(ج) أخيرا .. التكنولوبيا استغلت صح يا جدعاان
فعلا بصورة درامية ذكية ، استغلت بعض الأشياء هنا ، والتي غالبا ما تستخدم بشكل مستفز في الدراما العربية دون حاجة فعلية لوجودها
* فنجد مثلا أن عمر - الذي صدم بمعرفة حقيقة عمل أخت حبيبته ، وصار مستحيلا له الارتباط بتلك الحبيبة - لا يقوم باشعال النار في صور و خطابات حبيبته أو تمزيقها مثلا / كما هي العادة القديمة / لكن نجد لقطات متتابعة له وهو يقوم بعمل ( ديليت ) لتلك الصور والتي تشكل بتتابعها وحده - فضلا عن استقلال كل منها - حياة كاملة
شعرت بالألم حقا عندما تكررت العبارة أمام ناظري : Are you sure you want to move " ----------------" to the Recycle Bin?
متأكد انك عاوز ترميها ؟ عاوز تحذفها ؟
دموعه و انهياره في هذه اللحظة جاوبا :" مش انا اللي عاوز ، بس غصب عني لازم أعمل كده "
* أعجبني جدا ذلك المشهد الذي كان فيه بداية تعرف عمر ب مديرة مكتبه الجديدة سلمى ، و إذا بالموبايل يرن ، يحدث ابنه ف زوجته ... موبايلاها يرن ، تحدث زوجها
هنا " أيوة يا حبيبتي " ، و هنا " أيوة يا حبيبي " ؛ ثم قطع موازي إلى كل من عمر و سلمى يتحدثان كل منهما في هاتفه المحمول - و كأنهما يكملان كلامهما - ، أو كأنه
امتداد ل " الأيوتين الأولانينيين " ، لنكتشف أنهما يتحدثان إلى بعضهما البعض
* عندما أرسلت سلمى صورتها ك " تصبيرة " ل عمر / إلى أن تعود الى المنزل / من تلك الكافيتريا التي كانت تجلس فيها ورائها - دون أن تدري - حبيبته الأولى
" انت مش شايف حاجة تانية ؟" .... كان قصد سلمى على الجنين ببطنها ، لكننا نعرف أن في نقطة ما غير واضحة بالصورة يوجد ما لايراه الاثنين من آثار الماضي
( د ) الحوار
لا أريد أن أكتب أجزاءا منه ، لأني لا أتذكره بالحرف و لا أريد تشويهه ، لكنه مبدع حقا ... بسيط ، راقي ... يخلو من الثرثرة .. و أهم من هذا كله أنه يتفق و الشخصيات التي تلفظ به ، و أجمل من هذا أنه دائما في مكانه ... كما نجد مشاهدا تكاد تخلو من الحوار و تعتمد على الصورة ( سينيما بجد يا جماعة )
و من مميزات الحوار هنا - و معه السيناريو بالتأكيد - أنه يرسم أبعاد الشخصية في مراحلها المختلفة ، و يكشف عن الحالة النفسية لها ، بالاضافة لنقطة توازيه مع نفسه .. فمثلا ... عندما عرفت زينة بزواج عمر بأخرى ، و أخذ أخو عمر يهدئ منها قائلا أنه يجب أن تهدأ كي لا يشعر ابنهما الصغير بشيء ، فردت أنها تريده أن يعرف ، و اذا لم يشعر ب شيء فسوف تخبره هي
: " هاقوله بابي وحش ، هاأقوله بابي ظالم ، هاأقوله بابي ما بيحبناش ، هااقوله بابي خان مامي و اتجوز واحدة تانية غيرها ، ها اقوله بابي هايجيب نونو تاني غيرك هايحبه أكتر منك "
الجمل عبقرية هنا .. تعتمد على نفس التركيب ، نفس الكلمات المفتاحية المؤكدة .... قصيرة ومركزة ... الطريقة طفولية جدا - ليس لأنها ستوجه لطفل فحسب ، بل لأن حالة الألم و الجرح و الشعور بالنبذ تستخرج من دواخلنا ذلك الطفل الذي يشعر أن العالم ضده ، و أنه ليس لديه من يلوذ به - و بالتالي ف " زينة " نفسها طفلة تشعر بكونها منبوذة ، فتخرج رد فعلها " الغضب و الرفض " في تلك الكلمات التي تريد توجيهها لابنها الصغير
على فكرة .. مشهد قوي و مؤثر جدا في العديد من النقاط على رأسها هذا الحوار و الأداء القوي ل " بشرا " فيه / وهو الجزء الوحيد الذي أتقنت فيه بالمناسبة
نجد أن هناك حوار موازي لهذا الحوار ، بين زينة و عمر و هما ينهيان اجراءات الانفصال ، تعلن فيه زينه بكل نضج ، اتزان ، و عقلانية .. أنها تريد لابنها أن ينشأ بين أب و أم يحترم كل منهما الآخر
* هناك أيضا ذلك المشهد ل سلمى و عمر وهي تخبره أنها تشعر و كأنها عشيقته و ليس زوجته ، و تخبره أن هذا شيء جيد ، لأن عشيقة السر لديها مميزات ليست لدى الزوجة ، فإذا أحب الزوج أن يعيش لحظة جنون عاشها معها ، إذا أراد أن يكون على طبيعته دون تكلف أو حواجز فعل ذلك معها
ثم ... سلمى وهي شبه مستنكرة لاستمراء عمر لعبة " العشيق و العشيقة " قائلة له أنها زوجته و أن لها حقوقا يجب أن تأخذها ، و أن هذه هي اللحظة المناسبة لذلك ، لأن ابنهما على وشك المجيء للحياة ...." و السر اذا ما طلع ما بين اتنين ما يبقاش سر ... و احنا هانبقى تلاته " ............. " عمر ... انت مش أناني .. مش كدة ؟ "
3) أخيرا ... شخصيات حرة... قادرة على الاختيار
* عالية .. ترفض ارتباطها ب أشرف المدمن بعد حملها منه ، و تفضل انزال الجنين : " لأ ... أنا مش ها أصلح غلط بغلط أكبر منه "
* سلمى .. تعود إلى عملها بوجه رائق مرتاح مبتسم .. و تخبر عمر أنها انفصلت عن زوجها - ليس من أجله ، لأن هذا كان يجب أن يحدث ، و أنها تعرف أنه شخص متزوج و أن لديه ابن ولا تلزمه بشيء ( و طبعا من ذا الذي لا يستطيع ألا يصدق "سلمى " ، خاصة و نحن نعرف منذ البداية قبل علاقتها ب عمر أنها لا تحب زوجها و أن هناك مشكلة معه ، بل لا تريد الانجاب منه كي لا يكون هناك مايربطها و يعمق اتصالها به ) ...: / شخصية مسؤلة رفضت الاستمرار في التمثيل و فضلت الوصول لراحتها بأقصر الطرق و أكثرها صدقا مع الذات
* عمر .. وهو يعلن زواجه بأخرى لزوجته الأولى
فهاهو قد قرر الاختيار وهو على استعداد لتحمل مسؤلية اختياره و مستعد لأي قرار أو رد فعل قد تتخذه زوجته الأولى
4) أوهام الماضي
نبكي ، نغضب ، نثور ... قد نلعن القدر .. و نظن دائما أن حياتنا قد سُلبت منا للأبد في لحظة ماضية لم نستطع الوصول فيها إلى ما نحب .. أو ... لم نستطع الاحتفاظ به كما ينبغي .... نظن أن حياتنا كان لها أن تكون أفضل و أجمل إذا ما سارت في الطريق الذي تمنيناه ، ومع أولئك الذين تمنينا في لحظة ما أن يقاسموننا طرقنا
تمضي الحياة ، ونخبئ مرارة الفقد و الأمنيات المجهضة في غرف عميقة مظلمة دواخلنا ... تخرج بين الحين و الحين لنستشعر ملحها على شفاهنا ... و نتساءل بحسرة نفس التساؤل الذي وجهته عالية ل عمر في الجزء الأخير من الفيلم : " مش لو ماكانش اللي حصل حصل زمان ، ما كانش زمانك في وجع الدماغ ده كله ؟"
استطاع عمر أن يعود لحلم قديم مجهض : عالية .... حاول أن يلوذ به ، لكنه لم يستطع ... بل لم يستطع مجرد إعادة التواصل الحقيقي به
نجري ... نجري ... نجري ... وعندما نلحق بالقطار و يفتح لنا أبوابه ، نُدهش أننا لا نرغب حقا في ركوبه ، ونقف نعجب لحماقتنا و اندفاعنا
كلمة أخيرة
سلمى : " باحس ان الشمس دايما بتقول لي ان أجمل يوم في حياتي لسه ما عيشتهوش"
مداونين اتكلموا عن الفيلم : بعدك على بالي " عن العشق والهوى في زمن القهر " ، يحيى مجاهد" تعالوا نحرق فيلم " ،