طبعا لم أرغب في مشاهدته
فأنا لا أحب تلك النوعية من الأفلام التي ما هي إلا عراك طويل ، و طلقات نارية و حركات قتالية ما بين سكان كوكبنا و سكان كواكب أخرى ، أو وحوش ( أخرى ) .. إلخ
و طبعا ... رغبتُ جدا في مشاهدته ، و تربصت به حتى فعلت ... فقط ... لأن مشهدا ما قال لي أن هناك الكثير وراء تلك الملابس السوداء و الأعيرة النارية الباذخة
" تعتقد أنك مميز ! و أن القواعد لا تنطبق عليك !! "
هل هذه هي البداية الطبيعية لكل من يفكر في إختراق ( المصفوفة ) أو The Matrix ؟
هل هي البداية لنبضات الانطلاق غير المقيد للعقل التي تقول أننا نحيا في عالم ٍ خيالي ليس له وجود حقيقي إلا في خيالاتنا ؟
في الواقع ، هذه الأفكار بذاتها ليست جديدة
فقد كانت هذه هي الفلسفة السائدة في وقت ٍ ما : الشك في الحواس : تلك الحواس الخادعة التي يقودها عقل خادع يرسل بنبضاته العصبية ليقول لك أنك ترى أشكالا و ألوانا ، و تستشعر مذاقا و ملامسا ، و تسمع أصواتا ... بينما في الحقيقة / حقيقة العالم / ليس لأي من هذا وجود
بل هناك شكٌ في وجود كل ما و من حولك : كل هذا ما هو إلا أفكارا تجري في مخيلتك
بل في وجودك أنت ذاته : ما أنت إلا فكرة تجري في عقل خالقك
كذلك فكرة ( المصفوفة ) أو النظام الذي ما نحن إلا رموزا فيه لا أكثر ، تحدث عنها بورخيس في حديثه عن ( القبلية )
تلك الفكرة التي فُتنتُ بها في الواقع ، و ربما أجدها أكثر قابلية للتصديق من قصص أخرى عن هذا الكون
و تذكرتُ ذاك الحوار الذي دار بيني و بين أحد الأصدقاء المهتمين ببرامج السوفت وير و بلغة html
، و الذي قام بعمل لعبة كمبيوتر مستخدما تلك اللغة .... مع خلفيتي البسيطة نتيجة للعب السابق في كود البلوج
فكل مجموعة رموز ، أو كود ينتج عنه صورة أو حركة أو صوت أو تغيير ما
أليس هذا عالما مصغرا لهذا العالم الذي أنشأته ( كن ) ؟
وقتها قال لي أنه يروقه فكرة كونه ( إلها صغيرا )
لكن هذا الفيلم ... هذا الفيلم الذي تأخرتُ كثيرا جدا جدا في مشاهدته لاعتقادات سخيفة .. يتوسع في تلك المنطقة
يرى أننا في هذا العالم صنفين : أحدهما يحاول جاهدا الاندماج في النظام ، في الحلم / في اللاواقع / في المصفوفة / و يستميت في الدفاع عنها و قتال من يحاول خرقها أو الخروج عليها أو تدميرها
و ذلك الصنف الذي يحاول إدراك حقيقتها ، و يحاول تحرير نفسه منها ...
باختياره للحبة الحمراء ، فقد اختار فقدان راحة البال ، و الجري المضني وراء إجابات لأسئلة ربما لا إجابة شافية لها
لكنه لن يستطيع العودة
لن يستطيع إعادة الزمن و إختيار الحبة الزرقاء كبديل سهل و مريح و ممتع ، يجعله في تواؤم مع النظام و حاميا له
هذا الفيلم الذي ينتظر أبطاله رسولا مخلصا يناقض الصورة المعتادة للرسول المخلص
فهو المنتظر الذي يحاول تدميرا للمصفوفة لا اندماجا فيها و تدشينا لنظامها
أتساءل ... أي الحبتين أفضل ؟ و لو عاد بي الزمان ، هل كنتُ لأختار الحبة الزرقاء ؟
==========
ملحوظة: لم أر إلا الجزء الأول من الفيلم ، و أعتقد أن له أجزاءا أخرى