أفضل شيء حقا هو أني أعمل وأعيش ببلد آخر بعيدا عن أهلي، وأمي تحديدا.. خاصة مع مرض تلك الأخيرة ..
في أجازتي الأسبوعية أتصور أن الأمر سيمضي في توافق ومودة ومحاولة حمل أمي على كفوف الراحة، لكني لا أجد سوى الاصطدام الدائم، الذي لا أستطيع مقاومته أو تجنبه .. فالبديهيات لدينا حقا متناقضة .. وأي نقاش ينتهي بالاتهام بالغرابة والشذوذ والشعور بالسخط والغضب.. في البداية كان هذا يحدث منها اتجاهي، وصار الآن يحدث مني اتجاهها واتجاه المجتمع كله..
منذ قليل، كنت أقرأ لها "فكاهة" من الفيس بوك .. عن ذلك الزوج العربي الذي ادعى لزوجته في باريس أنه يسافر على متن الطائرة المصرية المتوجهة للقاهرة - تلك الطائرة المنكوبة التي اختفت - بينما كان هو عند زوجته الثانية، ولما اختفت الطائرة، ظل حائرا حتى الآن كيف "يعود إلى الحياة" ..
علقت هي أنها ستفرح لأنه لم يمت ...
دُهشت بشدة وقلت أن الأفضل لها أن يكون قد مات وهو محتفظ بصورة جيدة له لديها ، بدلا من أن يعود خائنا كاذبا غشاشا ... فراحت تجادل بأحقيته في الزواج بأخرى ، وبدلا من الارتماء في أحضان الحرام ... إلخ ..
هي نفسها من كانت منذ قليل تقول تعليقا على مشكلة إحدى القريبات أن "الست لا يصح أن تطلب زوجها إلى السرير بل تنتظر رغبته هو " ...
فقلت لها ردا على الاثنين مرة واحدة: "إذن من حق المرأة هي أيضا أن تذهب للبحث عن زوج آخر بدلا من الارتماء في أحضان الحرام" ... فطاردتني بتهم الغرابة وضربان المخ ...
قلت لها أنها - مثلها مثل معظم الستات في بلدنا - ترى نفسها "قليلة" وترى أي ست "قليلة" ... ليس لها كرامة .. ليس لها حق ... تحيا في الذل وترى أنه شيء طبيعي ... تبرر لصاحبة المشكلة التي ضربها زوجها أن هذا شيء طبيعي وكلهم هكذا ... وأن الخطأ يقع فقط عندما ترد الزوجة على زوجها، أما غير ذلك فهو "عادي" ...
قلت ما لدي ... لم أستطع فرملة ... وأعتقد أني أحيانا أسبب ارتفاع ضغط الدم لها كما تفعل هي لي أثناء مناقشاتنا ..
البديهيات متناقضة تماما ...
والغريبة أن أبي - الذي ظللت أنظر له طوال عدد من السنوات على كونه سبب سوء العلاقة بينه وبين أمي وعدم الوفاق المعتاد أثناء النقاش فيما بينهما - أكثر منها تفتحا وإدراكا للمساواة وتحفيزا لإخوتي الذكور على تحمل مسؤلية المنزل والمشاركة في أعبائه، بينما هي من ساهمت في ري بذرة القيم الذكورية في تصرفاتهم - وتصرفات أحدهم تحديدا -
أكثر ما أنا نادمة عليه هو أني عشت طول هذا العمر وأنا أسمع أمي تشكو أبي وتسرد تفاصيل تصرفاته "متحجرة القلب" بالنسبة لها منذ أن كانا خطيبين إلى الآن ... وتقول هذا أحيانا أمامه وأن "طول عمره كده" ، وهو يكتفي بالتجاهل ...
مؤخرا فقط بدأت أدرك أنها هي السبب الأول والأساسي في ما تحيا به من مشاعر سلبية نجحت في إيصالها إلي ...
مشكلة أمي أنها تستمريء دور الضحية وتجد أنه دور طبيعي تحفز هي مسبباته على الظهور ...
لا تسعى لحل ما يؤرقها ، بل تستمريء وتستلذ الشكوى منه واتهام العالم حولها ...
مشكلة أمي أنها مثل ملايين الأمهات المصريات ... ملايين أفراد الشعب المصري ... أمي مواطنة أصيلة لهذا البلد بسياسته بأفكاره بممارساته ...
أو ربما هي مشكلتي أنا ... أنا البطة الغريبة القبيحة التي تنمو إلى بجعة تستطيع التحليق في نظر بط أبيض لا يستطيع الطيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق