عزيزي :
أشعر بكآبة تشتد حدتها يوما ً وراء يوم و أنا أنظر للسماء فلا أجد غيمةً واحدة ، و أستشعر الهواء ساخنا ً رطبا ً ... في عز أيام الشتاء لا أجد إلا أياما ً صيفية تماما .
أشعر بالافتقاد الشديد للشتاء ... انتظرته كثيرا ، و فات موعد قدومه منذ زمن ، و لم يأت ..
أنظر للسماء الصافية من فوقي ، فأشعر بالرعب : هل ما عادت السماء تكترث بنا أو تبالي ، فصارت صحوا ً دائما بعدما أدارت ظهرها لنا ؟ لماذا تجفونا هكذا و لا ترسل إلينا ما يصلنا بها : المطر ؟ هل أتى آخر الزمان حقا ً فإنقلبت الأشياء على أعقابها لتظهر غير طبيعتها ؟
الكرنب و القنبيط صغيران ، و ثمة إحباط يجهد أوراقهم ، فلم يُسق أيٌ منهم بماء المطر بعد ... أفتقد ملمس حباّات الندى الرقيقة داخل الأوراق ...
أسأل أمي عن الفول الأخضر ، فتخبرني أن أعواده لم تَنْمُ إلا يسيرا ... فهو محرومٌ من ماء المطر ...
أشعر بالإعياء أنا أيضا ... و كذلك روحي تشعر .
أيقظتني الحرارة و الرطوبة فيما قبل الفجر بقليل .... بكيت كثيرا ً و لم أنم ... و أدركت كم أنا ضعيفة ... جاهلة ... خائفة ... و جبانة ...
نعم ... خائفة من النهاية ، و أنا لا أرضَ لي أثبت عليها قدميّ .....
و افتقدتك كثيرا ً جدا وقتها ...
دوما ً ما تتحمس أمي لذهابي لفرح إحدى زميلاتي أو إنجابهن ... و دوما ما تسألني بعدها : ألا أغار منهن ، فأتحمس للزواج و الأطفال ؟ ألا أفتقد أن يكون لي بيت و زوج و طفل أو طفلة ؟ ألن أشعر بالوحدة بعد ذلك ؟
لا تعرف هي أن مثل هذه الأشياء تمر عليّ كواجبات إجتماعية غير جديرة سوى بإستدعاء الشعور بالرتابة من داخلي ... لا تعرف أن أقسى وحدة هي تلك التي يشعر بها المرء مع آخرين لا يفهمونه ، و الأمَّر أن يكون مضطرا ً لتحمل وجوده الدائم معهم ...
لا تعرف أمي أني فقط أفتقدك ...
أفتقد أن أتحدث بما يخطر ببالي تجاه كل شيء فأجدك هناك ... تفهمني ، تتحدث معي ... و نصل سويا ً لبر الأمان ، و ليقينيات ما دونما إدعاء أو كذب أو تجمُّل أو خوف ...
أفتقد أن أبكي بحرية و إطمئنان ، دون أن يراقب أحدهم بكائي أو يتقول عليه ما ليس له علاقة به ...
أفتقد أن أتبادل الأدوار معك : فأكون صغيرتك حينا ، و تكون صغيري الذي يسعدني إحتواؤه و التربيت عليه حينا ... و نقف على أرض المساواة و الصداقة في أحيان أخرى ...
كما أفتقد مطرا ً يمكننا السير تحته و الابتهاج به .
عزيزي ... حقا ... أفتقدك افتقادي للشتاء ، و أفتقده افتقادي لك .
سلام
هناك 4 تعليقات:
أعتذر مقدما عن عدم ردي على أي تعليق على هذه الرسائل - إن وُجد - ، و أهلا و سهلا بالتعليقات على أية حال
يا رب يكون يستاهلك
الافتقاد بعض الشوق، وكلاهما صورة للخلود... و لا يخلد إلا ما هو كائن... إذا هو هنا في مكان ما، فلتكن الدعوة لتصبح المسافات أقصر.
إرسال تعليق