عزيزي :
ذهبت إلى مكتب السفريات ... اجتزتُ المقابلة ... و عرفتُ أني على رأس القائمة التي سيتم إرسال أوراقهن للسفارة للحصول على التأشيرة ... و وجدتُ أن أحد الأبواب المواربة الكثيرة قد انفتح فجأة أمامي ، و عليّ فقط أن أقرر عبوره ...
عرفتُ تفاصيل العمل هناك ...
و على الرغم من تأصل يقين فكرة السفر داخلي ، إلا أن هناك ثمة عزوف داخلي عن العبور من الباب الآن ...
تعرف ... ليس جبنا أو خوفا ... ليس لقلة الراتب النسبي – كما علق البعض على الأمر - ، ليس لذلك المبلغ الذي ينبغي دفعه في البداية – مع كثرة حالات النصب هذه الأيام - ، ليس لأنها أول مرة أركب فيها طائرة ، فالموت لا يحتاج إلى وجودي بالسماء ليقتنصني ، و الموتُ في الأعالي لن يفرقه سوى أنه بدلا من أن يبكيك ذووك وحدهم ، فسيأسف لموتك عددٌ أكبر من الناس لدرامية الميتة و إنتشار خبرها .
و بالطبع ليس إنتظارا لك J ، فأنا أعلم تماما – كما تعلم أنت – أنه ثمة مكان محدد و زمان محدد للقيانا ، و إن حُجب عنا الآن / و كأني أضعتك في لحظة سحرية ما في بدايات الوجود أنتظر حدوثها ثانيةً لأستعيدك /
فقط ... استوقفتني عبارة الرجل :
" سأقدم لكم عملا في الفترة المسائية أيضا بأجرٍ إضافي ... أنتن ذاهبات للعمل ، و ليس للكسل ".
سألتُه عما إذا كان يمكن الاعتذار عن تلك الفترة المسائية ، و المكوث في السكن للقراءة أو الراحة أو لأي شيء...
" لا يحق لإحداكن المكوث في السكن إلا لوقت النوم ... حتى لو مريضة أو تَعِبة ، هاك العيادة يمكنها الإستراحة بها "
هكذا رد ....
و هكذا إنهار مخططي العظيم و دافعي الأساسي للسفر : وقتي ملكي أتحكم به كيفما أشاء خارج ساعات الدوام الوظيفي ...
و تخيلتُ نفسي و هي تتحول إلى آلة لا تفعل شيئا ً سوى العمل و تجميع المال و النوم في آخر اليوم ... و انس بعدها كل ما قلته عن التجربة و الفهم و الإدراك و التوحد بالذات ، و عن المشاريع غير المكتملة التي أنتظر الإخلاص لها و التركيز عليها ... ( فأين الوقت الذي سيسمح لي بذلك ؟ )
هو نوعٌ آخر إذن من السُخرة المستترة تحت مسمى التعاقد على عمل .
لا تبتسم هكذا و تشي عيناك بما يدور بفكرك : فلستُ مترفةً يا عزيزي ، و لستُ في غنى عن المال أو أدعي ترفعا عليه ... بل تتراكم إحتياجاتي و طموحاتي و تطول القائمة بهما ... يصيبني الضيق و الاختناق أحيانا ً لقلة ما تبقى من مرتب لا يُسمن و لا يُغني من جوع ، و يمنعني الحياء و الكرامة من أن أمد يدي لآخذ نقودا ً من أبوي إلا تحت بند السلف الذي أعمد إلى محاولة تسديد قشور منه بين الحين و الحين – لا أعرف صراحة ً من أين تأصل داخلي ذلك الشعور بالإستقلالية و الإستغناء - ... و أؤمن جدا بمقولة "نوال السعداوي " تلك :
" يفقد الإنسان كرامته حين يعجز عن الإنفاق على نفسه "
و تلك المقولة الأخرى : " لا يملك قراره من لا يملك قوت يومه "
ذلك ليس للأمم و الأوطان فقط ... بل للأفراد في المقام الأول ... أو لا يتكون كل بلد من عدة أفراد ؟
- و كما هي البلد – يتكون مصير الفرد من عدة قرارات كثيرا ما يؤثر بها مدى إعتماده على من حوله ؟
لكني ببساطة لن أسمح لي بأن أشعر بسعة و يسر الحال أمام أن أفقد ذاتي و حريتي و لذة إستمتاعي بالحياة و الأشياء و بهجتي بها ... ثم أني لستُ متضررة و يائسة من البلد إلى هذا الحد ...
منذ عدة أيام ، شاهدتُ برنامجا بين مجموعتين من المتسابقين : مجموعة إنجليزية و أخرى أمريكية ..
فكرة البرنامج حقا ً غريبة و مبتكرة : زودت الشركة ( الإماراتية ) الراعية للبرنامج و المسابقة الفريقين المتسابقين بسيارات ... و على كل فريق إستغلال السيارات التي معهم – بأية طريقة ممكنة – لكسب أكبر قدر من المال خلال يومين . و الفريق الفائز هو من يكون مكسبه أكبر من الفريق الآخر ...
تتبعتُ بشغف مساعي الفريقين ، أفكارهم المختلفة و خططهم – ما نجح منها و ما فشل – لاستغلال السيارات : تنظيم رحلات سفاري للآخرين بها أمام مبلغ من المال ... إستغلالها في التسويق لمنتج معين ، و تصوير دعاية بها لإحدى الشركات نظير مبلغ معين ... إلخ
ما لفت إنتباهي حقا هي تلك الفكرة الجوهرية في البرنامج :
كيف تخطط لتستغل ما لديك بالفعل – أيا كان ، و مهما يكن ما ينقصك – لتحقيق أكبر قدر من الفائدة أو الكسب خلال فترة زمنية محددة ..
و صدقني يا عزيزي ... بدأت أعيد حساباتي ، و أفكر في كل ما هو ممكن تحقيقه بما أمتلكه بالفعل ..
أعتقد أن هذا بديل أفضل من أن أُلقي بذاتي هكذا خارج حياتي ... فأنا لم أجد هذه الذات ملقاة في الشارع ، و تعبتُ حقا حتى أوصلتها إلى نوعٍ من السلام .
سلام :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق