الاثنين، ديسمبر 27، 2010

شكرا على مصر يا "عبله "

تراءت لي الإجابة على السؤال المعتاد رقراقة شفافة واضحة مع التكوينات التي أمامي التي تتقارب شيئا ما ، و يعطي كلٌ منها حالة متفردة في ذات الوقت، و مع الألوان التي أكسبت كل لوحة بعدا جديدا و حملتها مشاعرا ً أخرى ، و رؤى أخرى مميزة تختلف عما جاورتها ..

كنت سعيدة ..

لا أكتشف حقا حقيقة تأثير الفن و أهميته - في حياتي على الأقل - إلا بعد بعض ابتعاد ، و بعض جوع ...

فاجأتني حقيقة ما أسميته "جوع الحاسة الجمالية" ، و "عطشها " في بعض الأحيان ..

هما ليسا تسميتان مجازيتان .. بل واقعيتان جدا ..
فكما "يقرص " الجوع و العطش الإنسان و يجعلانه في حاجة ماسة إلى الطعام و الشراب، و حالة من الشعور بـ "الهبوط" و "عدم الاتزان" و "الكآبة" ، و للخمود و عدم القدرة على الحركة أو الفعل لو افتقدهما لعدة أيام على التوالي ، فهناك مشاعرا شبيهة قد تتملك من اكتشف حاسته الجمالية و اعتاد على إطعامها و ريها ..

في إحدى اللحظات ، وصلت حرفيا لدرجة البكاء و أنا بي رغبة شديدة لسماع قصيدة شعر و مشاهدة لوحة جيدة ..

و استعدت توازني و بهجتي و عيناي ترتشفان تكوينات "محمد عبلة" في "أبراج القاهرة" بقاعة الزمالك للفن ...

أبراج القاهرة... هل هي تعكس شخصية مصر المركبة من العديد من الأنماط و الثقافات المختلفة التنافرة التي تم احتواءها في بنيان واحد - للدهشة الشديدة- به كثير من التناسق و الجمال على عناصره المتنافره ؟


أم شخصية المصري الذي يبدو ثريا من داخله حينا ، مشتتا حينا ، معقدا و غير مفهوما حينا ، و واضحا أكثر من اللازم حينا آخر؟

أبراج القاهرة ، تعكس القاهرة كنموذج لبلد بأكملها .. بكل لحظات ماضيها و حاضرها ، بل و تحمل في طياتها تنبؤا بمستقبلاتها المتعددة أيضا .. تحمل صبرا ، تحمل بهلوانية من نوع ما تساعد على الاستمرار ، تحمل صمودا أحيانا ، و أحيانا إيحاءا بإنهيار ما ...

هذا هو المعرض الثاني المستقل الذي أحضره لـ محمد عبله ، و في نفس المكان، شاهدت له منذ حوالي السنتين معرض : "أضواء المدينة" .. و الذي عمل فيه على موضوعه الأثير على ما يبدو : المدينة : القاهرة : البلد : الوطن ... و إن عمل هناك على الضوء و حركة الفرشاة و الخطوط و النقاط البسيطة التي شكلت زخما مدهشا في ضوضاء و ازدحام و أضواء المدينة و التي عكسها بحب جميل ، بالضبط كما يعكسها الآن في تركيزه على الكتل و على نسبة التكوين الذي يأخذ ثلث اللوحة و مركزها و على النسب بين أجزاء هذا التكوين و الألوان التي يعمل بها عليه ليؤلف كتاب "وصف مصر " أو "شخصية مصر " من جديد بصريا .. فيعكس عشوئياتها و انتظاماتها ، تطوراتها ، و بناءاتها غير المحكمة .. بنفس الحب ..

شكرا عبله ...



المعرض في قاعة الزمالك للفن ، الزمالك ، 11 شارع البرازيل
من 12 ديسمبر و حتى 4 يناير
من 10 و نصف صباحا حتى 9 م ماعدا يوم الجمعة

ليست هناك تعليقات: