بص يا عم الحاج:
لقد أفقدتنا الحياة كثيرا
من رومانسيتنا اتجاه الأمور ... لا أقصد بـ "الرومانسية" كلمات الحب أو مشاعره
بالطبع، بل تلك النظرة الساذجة المثالية مفرطة البراءة (أو ربما إدعاء البراءة) للأمور
... سواء بالنسبة للحياة أو العمل أو لـ (فكرة ) الحب ذاتها ...
مثلا: لم أعد أهتم حقا هل تجيء يوما أم لا .. والأكثر: صرت أخشى أن تأتي.
اكتشفت مؤخرا أن الوجود المستمر
للآخرين يعني لي عبئا نفسيا كبيرا ... ويوصلني لحالة غضب وتشويش وضياع ... ولا أستعيد
حالتي المتزنة إلا إذا جلست وحدي وقتا طويلا أستمع إلى الموسيقى أو أقرأ أو أكتب أو
حتى أنظف أو أغسل أو أسمع الراديو أو أرى فيلما أو حتى أجلس ساهمة أتأمل في اللاشيء....
لا تعرف كم الامتنان الذي أكون فيه عندما أكون "وحدي في المنزل" ... أو
"وحدي في العمل" ... أو "وحدي على طاولة في مقهى أكتب شيئا "
...
مرة جلست على إحدى الكافيتريات
أكتب وأقرأ في كتاب عن الكتابة ... _لا أستطيع الكتابة بالمناسبة إلا في أماكن مفتوحة
لأشعر بالتركيز والانغماس فيما أفعل _ ... وذكرالكاتب المشكلات التي يتعرض لها من يتخذون
من الكتابة طريقا لهم خاصة مع من هم قريبين منهم من صديق (ة) أو حبيب (ة) أو زوج (ة)
أو أطفال .. لأجد نفسي أشعر بامتنان عميق صادق وأنا أحمد الله كثيرا أنه ليس لدي أي مسؤليات من هذا النوع ، وليس هناك من يتضرر من جلوسي
بمفردي كل تلك الساعات يوميا سواء خارج المنزل _إضافة لساعات العمل الرسمية_ أو داخله
...
وحاولت تخيلا لحياتي المفترضة
معك أيها الشخص المفترض أصلا : ربما يعيش كل منا حياته في عالمه، ولا نتقابل إلا آخر
الأسبوع ! لتصبح (حبيب آخر الأسبوع ) و (زوج آخر الأسبوع)
هذا غير أنه أحيانا سنذهب
إلى والديَ آخرالأسبوع وأحيانا إلى والديك
آخر الأسبوع .. ونقوم بتوزيع (آخر) الأسابيع بشكل دوري علينا !
وعلى الرغم من كل كلامي المثالي
وأنا صغيرة عن أطفالي المفترضين وكيف سأتعامل معهم وكيف سأربيهم، إلا أني أجد نفسي
الآن غير قادرة على استيعاب فكرة امكانية اعتنائي بطفل أمام احتياجي لكل تلك الساعات
من الوحدة ! (تاركةَ بالطبع تساؤلاتي الوجودية الأخرى جانبا، عن اليقين الذي يمكن للمرء
أن ينشيء عليه انسانا آخر، وهو نفسه ليس لديه أي يقين، فليس هذه هي النقطة الأساسية
هنا.. النقطة الأساسية هنا هي أكثر مادية وحضورا وفاعلية: امتلاك الوقت / المال/ الجهد
/ الاهتمام لتربية طفل) ..
أجد أنه من الجميل حقا أن
يبذر البشر بذورهم وتكبر وتنمو أمامهم وهم فرحين بظلالهم الصغيرة الجديدة على الأرض،
ليكتشفوا أنفسهم معهم مع كل كلمة جديدة أو خطوة جديدة أو جملة غير متوقعة جديدة
... شيء رائع جدااا ... وأستمتع برؤية الصغار مع آبائهم وتبادل الأحاديث الخفيفة أو
المشاكسات معهم ...
أغبط زملائي وزميلاتي وهم
يضعون صور أبنائهم الصغار على صفحات التواصل الاجتماعي، وأردد داخلي "ماشاء الله"
، وتهفو نفسي إلى الجلوس مع الابنة الصغيرة لابنة عمتي أختبرها في ما درست أو أذاكر
لها حرفا لا تستطيع كتابته ... أو اللعب مع أبناء ابنة عمتي الأخرى، أو مشاكسة أبناء
صديقتي المشاكسين... أو اخراج كل الحلوى التي أضعها في حقيبتي أيام السفر لمواجهة دواره
، وأرى من من الأصحاب معه أي شيء آخر وأعطيهم جميعا لتلك الفتاة الصغيرة التي أبتهج
لمرأها: ابنة احدى صاحباتي ...
أعتقد بيقين أنه مع كل طفل
في هذا العالم هناك طاقة احتمال وطاقة حياة جديدة تضاف لرصيدنا نحن البالغون.. أدرك
ذلك بعمق ... لكن هل جميعنا قادر على تحمل مسؤلية طفل وتواجده الدائم في حياته؟
حتى فكرة المشاركة والاهتمام والتي تعد أساس فكرة
الحب مثلا... أجدها متحققة بشكل أو بآخر في أصدقائي القليلين الذين نتحدث معا ونتشارك
معا ونهتم لأمور بعضنا البعض ... ويَصْدُقُ بعضنا بعضا ويُصَدِق بعضنا بعضا ...
أيضا: أتمنى دوما أن يكرمني
الله من فضله ويصبح لي يوما شقة ملكي باسمي من عملي ... ولا أعرف كيف ولا متى ...
لم أستطع أن أتمنى مثلا أن
أتزوج ، وبشكل تلقائي كما هو العرف في مجتمعنا هذا تصير لي (شقتي ) التي هي (شقة زوجي)
في الواقع...
لكن أعجبتني كثيرا فكرة المجتمعات
(الأمومية) التي سادت في فترة من الوقت في فجر التاريخ، وكان المسكن هو مسكن الزوجة،
والزوج ينتقل إلى مسكنها عندما يتزوجها، وإذا ما حدث انفصال فهو من يخرج إلى حال سبيله
لا هي ... وتنتقل الممتلكات من الأم إلى بناتها ... فالمرأة هي (السكن) وهي صاحبته
حيث هي فعلا في مملكتها، وليس مملكة مستعارة قد تزول بانفصال أو تهدد بغضبة بين الزوجين
(لتعود) إلى بيت أهلها ولو بشكل مؤقت ...
أعجبتني النظرية جدااا
...
وأنا في الأصل لا أعترف بفكرة
تفوق أحد الجنسين على الآخر، ولا وجوب تحميل المسؤلية على طرف دون آخر، بل أعتقد بكون
كل من الرجل والمرأة مسؤلان بشكل متساو عن كل شيء: الانفاق على المنزل – تربية الأطفال
– مشاركة مسؤليات المنزل الداخلية – مشاركة المسؤليات الاجتماعية - .. إلخ
ولا أفهم فكرة أن (ينفق) الرجل
على المرأة هذه من الأساس ... ولا فكرة أن (تخدم) المرأة الرجل ... لكن هي مسؤليات
في الناحيتين ويجب توزيعها بشكل يضمن عدلا بينهما ، مع ضمان الاستقلال والفردية المادية
والشخصية والخصوصية لكل منهما ...
وفي اقتناعي بهذه الأفكار
عائق آخر أمامك.. لأني لم أكون نفسي بعد ... لازلت أبحث عن موضع لقدمي في المجال الذي
أحب أن أستكمل فيه طريقي _بعد تخبط كبير في طرق أخرى لما يجاوز الستة أعوام_
وحالتي العملية والمادية غير
مستقرة بعد ... إضافة لعدم وجود أي رصيد مادي يمكنني أن أشارك به حياة ...
ولا أعرف صراحة كيف يطالب
المجتمع الذكور بأن يكونوا قد كونوا أنفسهم ماديا ووصلوا إلى مرحلة استقرار جاءوا خلاله
بالشقة والشبكة والمهر وتكاليف الفرح ومعظم الأثاث ، وهم لازالوا في العقد الثاني أو
الثالث حتى من عمرهم ؟ وأتساءل عن من يسير وراء طموحه مثلي ويحاول أن يثقب له طريقا
في صخرة الكتابة ... والذي هو بالتأكيد بالنسبة للآخرين "يضيع في الأوهام عمره"
... حيث لا استقرار في عمل خاص يجهد نفسه فيه ليحصد الأموال ليستطيع تكوين نفسه...
لكن أعمال خفيفة لطيفة تغطي الحد الأساسي من العيش وتمنح الوقت والطاقة للكتابة
...
عامة .. ها هي عقبتي الأخرى:
أُدفع نحو الثانية والثلاثين من العمر، ولم أستطيع (تكوين) نفسي ماديا بعد ... فـ
(التخبيط ) في الطرق المتشعبة أكل وقتا أكثر مما ينبغي ولم أنتبه لهذا سوى متأخرا
....
هذا بالطبع إضافة للعقبة الأساسية
جدااا أني لم أعرفك أصلا بعد، ولا أعرف هل يمكن أن تأتي أم لا، ولم أعد أهتم.
ياسمين
23 ديسمبر 2014 2:35 ليلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق