بالصدفة ، و لكسر الملل و حالة عدم التحقق الإبداعي اللي كنا بنمر بيها احنا الاتنين، رحت أنا و أحد أصدقائي مكتبة بدرخان يوم الأحد اللي فات.. و بالصدفة كان يومها آخر يوم في مهرجان
"فُرجة" للأفلام القصيرة ..
شفنا معظم الأفلام (أفلام يوم الأحد فقط ، مع ملاحظة إن
"فرجة" كانت على مدى 3 أيام ) ، و على الرغم من إن الأفلام دي في معظمها كانت تحت إشراف مخرجين و نقاد، إلا إن كان فيها أخطاء قاتلة .. على الرغم من إحتواء كتير منها على أفكار جيدة - لو كان تم استغلالها بشكل أكثر فنية ... و طبعا كان فيه أفلام أصلا معتمدة على أفكار بدائية مستهلكة ..
مثلا:
فيلم
"الزيارة الأخيرة" لـ
أحمد أبو الفتوح .. بيدور في مشهد في بيت المسنين لابن بيحاول استرضاء أبيه اللي أودعه دار المسنين، لمجرد الحصول على توقيعه بالتنازل عن الشقة عشان يعرف يبيعها ... فكرة "يرمي أبوه في دار المسنين" مع الاستهجان المصاحب لده فكرة قديمة قوي و تقليدية و نمطية و تعبر عن نظرة المجتمع أكتر ما تعبر عن رؤية فنان.
فيلم
"إنذار بالخطر" لـ
محمد إبراهيم ، و الشاب اللي بيتقدم للبنت اللي بيحبها، بيشتغل في بنزينة لحد ما تفرج ، و امكانياته موجودة بس متواضعة شوية ، فأبوها يسمعه الكلمتين الحمضانين بتوع الأفلام العربي ، فيبقى الحل اللي يعرضه عليها عشان "يتحدوا و يقاوموا" هوه الحل المعتاد بتاع المسلسلات العربي : "نتجوز عرفي " !!!!
معلش يعني، طب و ماله الرسمي لو فيها تحدي و مقاومة و الكلام الكبير ده؟
و أصلا الفيلم عاوز يقول إيه ؟ أو يدعم إيه ؟ الأب و موقفه؟ و لا الجواز العرفي و انتشاره؟
ببساطة: ناس عندها استسهال إبداعي و ما بتفكرش يكون عندها رؤية مغايرة أو زوايا مختلفة تتناول بيها الأمور
فيه فيلم مضحك جدا اسمه "
الشقيقان " لـ
هشام علي شعبان ... و تصوير طفولي جدا لمصر و الجزاير و تجسيدهم في صورة شابين متعاونين و علاقتهم كويسة ، و بيبدأ يتدخل بينهم عيل صغير بيوقع ما بينهم ... في الحقيقة .. اللي بيعملوا كارتون الأطفال ما بيشتغلوش بالسذاجة اللي كانت في الفيلم دي ..
فيلم غاظني جدا جدا و هوه فيلم
"جمال و أماني" لـ
هديل نظمي ... غاظني لأن الفيلم كان فيه خيط حلو و فيه جزء حلو ... بس الفيلم يعيبه عدم وجود مونتاج : عدم وجود فكرة أساسية يتم التركيز عليها و عدم وجود أثر كلي للفيلم ...
الفيلم - حسبما سمعت - معتمد على قصة حقيقية ...قصة عروسين بتفاصيلها من لحظات الخطوبة و حتى محاولة عمل فرح بطريقة بسيطة مفرحة على كورنيش اسكندرية، بتنتهي بالعريس و هوه بيقعد عروسته على سور الكورنيش عشان يتصوروا فبتقع منه على صخور البحر و بيجي الإسعاف و الناس بتتلم ... إلخ
اللي غاب عن صانعة الفيلم إن الفن لا يرصد حقائق بتفاصيلها .. الفن بيعتمد في المقام الأول على الإنتقاء ... إنتقاء الفكرة و إنتقاء الأثر اللي عاوز المبدع يعمله ، و إنتقاء التفاصيل اللي بتساند اللي عاوز يقوله و رؤيته الخاصة ..
لكن الفيلم قدم تفاصيل كتير من غير ما نوصل لهوه عاوز يقول ايه ... ده غير إن الحادث المأسوي لسقوط العروس و وفاتها كان حادث مضحك جدا (حقيقة لا مجازا ) لكل من شاهدوا الفيلم ... لو كانت هديل ركزت على الفكرة الجيدة جدا اللي موجودة في ثنايا الفيلم من (القدرة على صنع البهجة و الفرح ببساطة ) كان الفيلم بقى حاجة مميزة فعلا .. لكنها حطت تفاصيل زيادة في الأول ، و تفاصيل مالهاش أي علاقة في الآخر ... و عملت سمك لبن تمر هندي ..
مشكلة "محفظة"
محمد مصطفى جميل إنها هزيلة جدا قدام "محفظة " يوسف إدريس المتاخد عنها العمل.
"المحفظة" الفيلم كل اللي عمله إنه أعاد إنتاج النكتة القديمة قوي عن اللص اللي جه يسرق موظف فلما لاقي جيوبه فاضية راح حاطط له فلوس ... قصة يوسف إدريس ما كانتش مركزة على فكرة إن الولد حس بالتقدير و العاطفة ناحية أبوه لما سرق المحفظة و أبوه نايم و لاقاها تقريبا مافيهاش فلوس إلا أقل القليل ... قصة يوسف إدريس كان عبقريتها في التناقضات اللي كانت ملياها خصوصا في طريقة تفكير الولد و مشاعره و فكرته عن أبوه ...
مسألة إزاي كان شايفه في الأول : إنه الأب القوي المقتدر اللي يقدر يوصل و يعمل أي حاجة هوه عاوزها، و بالتالي ماكانش مصدق إن مش معاه فلوس ، و الاكتشاف التدريجي اللي بيحصل للولد لأبوه و إحساسه بيه إنه غلبان و ضعيف و إحساسه بالمسؤلية ناحيته و ناحية البيت ككل و إخواته الصغيرين ...القصة كانت قصة إكتشاف و تغيير في الإدراك و الوصول للحظة تبصر ... لكن الفيلم كان مجرد حد ركب أوتوبيس بعدين نزل منه من غير ما يحصل أي حاجة في السكة و من غير ما يوصل لأي مكان.
" ا2 مرة" كان الحلو فيه على رأي "شادي" إن
"خالد العنتيل" كان حد محترم و قايل إن فكرة الفيلم متاخدة عن فيلم أسباني بنفس العنوان ... بس برضة الفيلم معمول بطريقة مباشرة قوي .. طريقة حكي مش طريقة سينما ... يعني لو حدوتة الفيلم أو فكرته كانت مكتوبة في قصة فهاتبقى أكثر إبهارا و جودة من الفيلم .
أنا مش عارفة أنا عمالة أقول تفاصيل ليه و السمة الغالبة أصلا على الأفلام دي إنها كانت مباشرة قوي و مستهلكة في معظمها في الأفكار اللي بتطرحها أو طريقة تناولها ...
يمكن الفيلم الوحيد اللي كان مستواه معقول قوي و كان معمول بطريقة حلوة هوه
"مع فائق الاحترام " لـ
محمد محسن ، و فيه فيلم تاني حلو جدا بجد و هوه
"موت موظف" عن قصة تشيكوف طبعا ، و إن مش فاكرة مين اللي أخرجه لأنه ما كانش المفترض موجود في برنامج اليوم ... و الغريبة إن الاتنين بيتناولوا موضوع متقارب : مش مسألة التعامل مع شخصية موظف الحكومة كبطل للقصة / أو بالأحرى كـ لابطل للقصة / لكن مسألة الوهم لما بيتحكم في حياة الإنسان و يسيرها ، و إزاي إننا كبشر ساعات بنبقى مصنوعين من أوهام صغيرة بنكسبها أهمية و معنى أكبر من قيمتها و معناها ، فبيكبر الوهم و بيبقى هوه المتحكم الأوحد في حياتنا ...
جملة واحدة غيرت مجرى حياة الموظف المسن اللي بيحب شغله و شايف إنه بيعمله بطريقة مميزة .. "مع فائق الاحترام" الجملة اللي عاوز يحطها مديره الشاب بدل "مع وافر التحية " اللي اتعود هوه يحطها .. ده غير التناقض الصارخ بين "الاحترام الفائق" اللي عاوزه المدير الجديد في رسالته و الوضع الفعلي ليه لما بيتم افتقاد الاحترام في العلاقة ما بينه و بين اللي حواليه و خصوصا مع شخص بعمر أبوه ...
حالة الاشتعال الداخلي كانت واضحة جدا طول الفيلم ، في القطع الموازي للقطات ، في أغنية سعد عبد الوهاب اللي كانت في تلفزيون القهوة و القطع ما بينها و بين حركة الزهر على الطاولة و عنين الممثل القدير "أحمد عبد الوارث" و بين رن التليفون في بيته من أول الفيلم ...
الفيلم حلو و معمول حلو ... و إن كانت خابت شوية مع
محمد محسن في فيلمه التاني
"رقم قومي" ، إلا إنها صابت جدا في
"مع فائق الاحترام " ...
في
"موت موظف " برضه، كان الفيلم بنفس قوة قصة تشيكوف، بل أقوى لأن الصورة كان ليها تأثيرها ... و هنا قدام موظف بيلاقي دعوة لحفلة بيحضرها الناس المهمة واقعة على الأرض ، فيقرر إنه يدخلها .. و هوه بيتفرج بيحصل إنه (بيعطس) غصبن عنه ، و تيجي العطسه في (قفا ) مديره .. و تنقلب حياته رأسا على عقب من بعدها و هوه حاسس بالذنب الفظيع و بيحاول يتعقب مديره في كل حتة عشان يعتذر له ، و بيموت في النهاية و هوه تحت وطأة الشعور بالعجز و الندم و الخوف .. فكرة زي دي كان ممكن تبقى فكرة عبيطة جدا و مفتعلة لولا الحرفية العالية في رسم ملامح الشخصية و رسم التفصيلات البسيطة جدا اللي بتتبني تدريجيا ورا بعضها و تخلينا نصدق و نحس بمعاناة الموظف ده ..
يالا .. كل "فُرجة " و انتم طيبين .