فوجئتُ حقا بهذا الكم من الحضور في "نادي السينما" بدارالأوبرا - على غير العادة- ، و سُررتُ جدا لأن معظمهم كان من الوجوه المألوفة : من يحضرون بيت الحواديت - بعض من المدونين الذين أعرفهم - بعض السينمائيين الذين خطوا خطوات جادة في الفترة الأخيرة، و لا سيما أولئك الذين اقتحموا مجال السينما المستقلة ...و هكذا أعزائي يكون دور "الإعلام" :) ... فالدعاية الجيدة للفيلم ، و وصول الدعوة لحضور الفيلم كرسالة و تذكير و حدث على أكثر من جروب على الفايس بوك جعل للأمر أهميته ، و لتفويت الحضور متعة مهدرة .
أشار د/ رفيق الصبان بأن هناك فيلما آخرا سيُعرض بعد أحمر باهت ، و أنه فيلما "للكبار فقط" و استسمح من
جاؤوا بصحبة مراهقين أو أطفال بمراعاة هذا الأمر .. فاتفقتُ مع أختي و زميلتها - رايحين أولى ثانوي - بأن
تذهبان لتتجولا في المكان و في قصر الفنون بعد إنتهاء " أحمر باهت" ... لكن مع تتالي لقطات و مشاهد"أحمر
باهت" ، التفتت أختي لي في غيظ : " هوه أنهي بالظبط اللي للكبار فقط؟ المفروض ده هوه اللي للكبار فقط "
فابتسمت و لم أعلق ... و مر الفيلم و المناقشة، و لم يكن لديّ حقا أي تعليق سوى الكلمة المعتادة : "لطيف" ، فالفيلم تقنياته جيدة من تصوير و أداء و إخراج و موسيقى و اعتمد لغة الصورة أكثر من لغة الكلام ، و هذا يحسب له ، كما أنه تجربة لصاحبه ، و فيلما قصيرا و مستقلا ... فحتى لو القصة عادية تدعي الاختلاف ، و حتى لو كان معنى الاختلاف و الجرئة و كشف المشكلات و المسكوت عنه هذه الأيام هو التركيز على نقطة إختيار مراهقة لملابسها الداخلية و شعورها بأنها قد "كبرت" و ينبغي لها أن ترتدي ملابسا داخلية غير طفولية ، فلا بأس ... مافييييييييش مشكلة ...
و بدأ الفيلم التالي ، لأتذكر بغتة بأن فيلم "أحمر باهت" مأخوذا عن قصة لـ " الشيماء حامد" ، ثم تذكر أن الشيماء حامد هي صاحبة المجموعة القصصية:" صباحا مع فنجان قهوة" ، و أن هناك ثمة تشابها بين قصة الفيلم و إحدى قصص المجموعة بالفعل ، لكن ليست هي نفس القصة !
نعم ، فقد تم تبديل إحدى المعلومات الجوهرية : عمر البطلة .
فبطلة القصة شابة في سن الزواج لكنها غير مخطوبة أو متزوجة ، بينما بطلة الفيلم مراهقة في إعدادي أو ثانوي !
طب و هاتفرق كتير ؟
بالطبع !
للأسف الشديد كان تغيير المرحلة العمرية للبطلة ضد الفيلم و ليس معه ... فهناك فارقا شاسعا بين العالمين : عالم المراهقة الذي يتحكم به ألف عامل و عامل و ألف رغبة و رغبة و ألف تحدي و تحدي لا يشكل فيه حقا تفصيلة صغيرة كلون الملابس الداخلية أو نوعيتها أي أزمة على الإطلاق في ظل تنافسات أخرى و تحكمات أخرى لما هو "خارجي" كشكل المعيشة و نوعيتها مثلا ،العلاقة مع الأسرة و أفرادها سواء غيابا أو حضورا و المقارنة بين حالها و حال الآخريات في هذه النقطة ، المستوى الدراسي ، المستقبل و تفرعاته ، التصرفات الخارجية للزميلات و الصديقات ، أو حتى العلاقة مع الجنس الآخر بالفضول نحوها و نحو هذا الآخر
في حين أن نفس هذه التفصيلة تفرق بالنسبة لشابة وسط آخرين بنفس عمرها منهن المتزوجات أو المخطوبات و تكون مثل هذه الأمور كثيرا هي محور الحديث ... إضافة إلى فكرة "عدم أحقيتها في الاختيار و الانتقاء و إضافة ألوان زاهية إلى حياتها مادامت دون رجل " ، فعليها كأنثى أن تحيا بـ ألوان باهتة و رسومات طفولية لم تعد تناسب عمرها لأنها لم تركب القطار بعد الذي يسمح لها بأن تزهو بألوانها أو تعبر عن نضجها
في القصة : تذهب البطلة بصحبة رفيقتيها لشراء الملابس الداخلية ، و تترك لهن الدفة لمساومة البائع بعد الانتقاء معها ، و في الفيلم : تذهب البطلة وحدها و تشتري و تدفع و تعود
أيضا ، تم تغيير النهاية كذلك ..
ففي حين تنصاع بطلة الفيلم لأوامر جدتها التي تطلب منها وضع الكلور في الغسالة لتضيع ألوان الملابس الداخلية الجديدة ، و تفعل البنت لتضيع ألوان الملابس حقا ، ثم تنشرها على الحبال و تقوم – كالمعتاد – بوضع الملاءة البيضاء أمامها لتداريها – كما نفعل جميعا –
تنتهي قصة "الشيماء حامد " بغسيل البطلة لملابسها الداخلية الجديدة و قرار بأن تنشرها كما هي ، فلم تقم بغسيل شيء آخر معها ، و تقوم بالفعل بنشرها وحدها أمام نظرات جارتها المُعنفة
كده بقت مش نفس القصة خالص أصلا !
كده عملوا في القصة زي ما عملت البطلة في هدومها : صبوا عليها كلور قبل ما يصوروها !
و المفارقة بالطبع واضحة : صناع الفيلم كلهم رجال :و على رأسهم المخرج و السيناريست
===========================
أثار ضحكي التعليقات المنشورة على ريفيو للفيلم على موقع :
( الفن أون لاين )
المليئة بالحسبنة ، و الاتهام بالخلاعة و الاسفاف .. إلخ
لأقرر مع نفسي أن الفيلم لم يكن عظيما أو مميزا أو لافتا حقا ، لكنه لم يكن مسفا أو خليعا كذلك .. و إن كان ينبغي اتهامه بشيء ما ، فهو الاتهام بإقتحام الخصوصية في غير مكانه ...
مشكلة الناس دايما إنها بتحمل الأمور أكتر من معناها
في إعتقادي أن الفنان بشكل ما يشبه الجراح الذي عليه تحديد المنطقة التي يجب عليه التعامل معها بدقة شديدة ، و التي إن إنحرف عنها سنتيمترا واحدا في التعامل معها فلربما فقد حياة المريض أو أصاب أحد أعضاءه السليمة أو فقد المنطقة التي كان يبغي علاجها ..
===========================
أضحكتني كذلك عناوين المقالات التي تحدثت عن الفيلم ، و التي كانت كلها من نوعية :
" أحمر باهت».. يكشف أسرار المراهقات....
" أحمر باهت" فيلم جديد يخوض في أسرار البنات... و كأن كل أسرار البنات انحصرت في ألوان ملابسهن الداخلية ، و فقط ! و ربنا يخلي الأستاذة العظيمة "إيناس الدغيدي " التي كان لها سبق حصر أسرار البنات في الجسد ...
معلش سؤال: أليس هذا ذاته –بشكلٍ ما- تنميطا لدور الأنثى في الحياة كأنثى و حسب؟ أليس هذا محاولة لتحريرها من مجتمع متخلف مانع مراقب مُحاصِر ، و الزج بها داخل قيود مجتمع آخر متحررا جدا ، لكنه مجتمعا سلعيا لا يقيمها إلا كجسد وجب تحرره أو يطالب لها بحريتها في إختيار ملابسها الداخلية !!
==========================
دُهشت و أنا أنتبه لكون مخرج فيلم"أحمر باهت" : محمد حماد ، هو نفسه مخرج فيلم "سنترال" .. و ابتسمتُ و أنا أتذكر أن ذلك الفيلم كان من الأفلام التي تصارعت معها ، فكسبت هي المعركة بسهولة ... إنه من تلك النوعية التي قد يتعارض جدا مع رؤيتك للحياة أو يتعامل ببساطة مع أشياء تخرجها من حياتك تماما و تحتقرها و لا تحب التعامل معها أو بها، فإذا بك لا تستطيع سوى قبول الفيلم ، و الإعجاب به جدا – غصبن عنك - ، لدرجة وضعه على الفايس بوك و عمل لايك له ، فيدخل أحد معارفك مصدوما و مندهشا قائلا لك في ذهول به لوم :
" انتي شفتي الفيديو اللي انتي حاطاه ده و عاملاه عليه لايك قبل ما تحطيه "!
====================
كم من "الشتائم القذرة – التي تقال بعادية جدا كأوصاف مجردة - و السباب " ، كم من النميمة التي تتعلق بالعِرض في معظمها ، و كم من العلاقات المريضة و المشوهه ... و أنا أمقت هذا كله ! و أتجنبه قدر ما أستطيع ... فإذا بي قد وجدت ذلك كله في "سنترال" ، و إذا بي قد أعجبت به و احترمته ! أعتقد لأنه قد زاد عنصرا اسمه "فن"
=====================
ما بين "سنترال " و "أحمر باهت"
لا أحد له الحق في رفض إختيارات مبدع ما للمنطقة التي يريد تناولها أو التعامل معها من الحياة ... حتى لو كانت منطقة العلاقات الجسدية أو الملابس الداخلية للناس :) ، لكن ما يهم حقا هو ألا يكون هذا الإختيار أو ذاك من أجل إفتعال ضجة أو التواجد في بؤرة الضوء كشهيد للمجتمع المنغلق المانع الذي يريد كبتا للناس و للمبدعين ، إلى آخر هذا الكلام الجامد جدا اللي كتير بيكون فقاعات في الهواء لا حقيقة فنية أو إجتماعية تحتها ...
أيضا ، من المهم ألا يكون هذا الاختيار أو ذاك في طريق عكسي كذلك : بمعنى أن يتم التغيير و التعديل كرقابة ذاتية من المبدع على ذاته كي يحاول تمرير نفسه لهذا المجتمع ..
فقط ... صدقا نريد ، و فنا ً حقيقيا نريد ، و ليفعل المبدع –أيا كان و أينما كان – بعد ذلك ما يريد
==============
فيلم "سنترال" ل محمد حماد ، يمكن تحميله أو مشاهدته مباشرة على موقع "مركز جوتة الثقافي" هنا :
http://www.goethe.de/ins/eg/prj/abs/egy/ar5378105.htm
هناك 3 تعليقات:
aaaa
شكرا على الرابط ياشغف ...
لقيت هناك أكتر من فيلم كنت عايز أشوفهم , مانتحرمش :)
أي خدمة يا ليوناردو باشا :)
إرسال تعليق