من مدونة جامع الفراشات
فترة حضانة ميكروب الوحدة ... حاتم عرفة
عارفة ذبابة مايو ؟
ده نوع من الذباب متوسط عمره - حسب معلوماتي القابلة للتصحيح من أي خبير حشرات في الأرجاء - 36 ساعة تقريبا وربما أقل ..
تفتكري ده بيعيش ليه ؟
لا لا مش هو ده السؤال .. السؤال الأهم: لو تخيلنا انك ذبابة مايو برضه - أو أي حشرة محترمة أخرى - وبعد ما ذكر الذبابة المايو كبر وبلغ أشده وشد حيله .. يعني اسم الله على مقامك قفّل واحد وعشرين ساعة كدة بالصلاة عـ النبي .. وجه قالك انه بيحبك .. ونفسه يعيش معاكي بقية عمره ، وتهفّـوا مع بعض في الشوارع ، وترزلوا على وشوش الناس .. روحتي انتى ايه .. قولتيله: معلش مش هاعرف دلوقتي .. ممكن نخليها بكرة !!
36 ساعة - 21 ساعة - 24 ساعة = *@%$#&)*#!@#$*@ !!
تفتكري قد ايه ممكن ذبابة مايو يرد عليكي رد مش كويس في هذه الحالة ، وكمية الكلام البذيء اللى هايطرب آذانك ( أو قرون استشعارك) بيه ؟؟
ده بالظبط اللى بيبقى على لساني لما بتقوليلي أصبر .. أصبر على البعد والحرمان اللى احنا فيهم ، على أساس إن بكرة هتروق وتحلى .. وان كل ده هايعدي ويتنسى .. باستنكر كلامك جدا ساعتها لأن الحاجات دي مافيهاش صبر .. بتموت مع الوقت .. وسهل جدا تموت مع البعد .. مع الهجر .. مع الحرمان من التواجد .. ومن الحرية .. بتضعف مناعتها جدا وبتبقى معرضة للموت مع أول نزلة (دفء) جديد ..
ولما بتزيد حالة الاحتياج الذي لا يلبّى دي عن الحد ..
يصبح البني آدم مننا في بيئة صالحة تماما للإصابة بميكروب الوحدة ..
وده أخطر ما في الأمر .. لأنه بيتغلغل في خلايا الواحد .. بيخليه يتعود يحلم من غيرك .. يفكر .. يتكلم .. يشتغل ...... يعمل كل حاجة من غيرك .. مـ الآخر بيتعود مايطلبش لأن طلباته لا تلبى .. بيتعود مايحتاجش .. مايفكرش في حد تاني يكمله .. هو لوحده بيعمل كل حاجة .. مكتفي بذاته تماماً ..
صدقيني أنا مش بلومك .. بس مش لازم زي الأغنيات كل قصة يكون فيها واحد ظالم والتاني مظلوم .. ممكن جدا الاتنين يكونوا ظالمين .. أو مظلومين .. عادي جدا .. وبالنسبة لي مايفرقش كتير تصنيف دوري هايكون ايه في آخر الحدوتة .. اللي يهمني اني ارتاح .. لأني بجد تعبت .. ومش قادر ابقى بطل فيلمك .. فيلمك يناسبه واحد كلاسيكي أو اعتيادي اكتر مني بمراحل .. يناسب اتنين زي روميو وجولييت مثلا (اللى ماتوا منتحرين في الآخر) وانا ماليش مزاج انتحر الحقيقة ..
انشغلت فترة طويلة في منع المخلوقات الفضائية من الولوج إلى مجال غلافي الجوي .. كنت محصن تماما ضد أي محاولات .. لأني معتمد على إنك في ضهري .. وبصيت ورايا لقيتك بعيدة .. بعييييييدة قوي .. اضعف بكتير من اني اتسند عليكي .. الدعابة في الموضوع بقى اني المفروض (لأني الراجل) أنا اللى يتم الاستناد إليه .. هأأو ..
كدبة كبيرة قوي ان الاحتياج يقسم لمذكر ومؤنث .. الاحتياج واحد وتلبيته بتكون بطريقة واحدة بس .. غير كدة مش هايبقى قدامه حل غير انه ينتهي ..
عارفة انا ايه ؟
انا طيارة ورق بتطير من غير خيط .. ولو كان لزاما عليها تتربط بخيط فلابد يكون من فوق .. اللي ماسكه مركزه في السما مش على الأرض .. إزاى بقى تتجرأي وتطلبي تمسكي طرف الخيط وانتى حتى مش قادرة تقفي على الأرض ؟؟
ولأني تعبت من كل محاولات هروبي من تلك المأساة المهيمنة .. قررت المرة دي انى ماهربش .. انى ماعملش حاجة خالص .. مامسحش نمرتك وايميلك زي مابعمل كل مرة .. وارجع ارجعهم تاني مع أول محاولة صلح بارعة تقومي بيها .. مازعقش ومانفعلش واتنططلك في التليفون واشتكي .... الخ الخ من طفولتي المتأخرة ..
كل ده كانت مجرد أعراض مقاومة عيالي للميكروب .. ميكانيزم دفاع فاشلة ..
حتى الكلام ده مش هاكتبه .. انا سبته يتكتب لوحده تماماً ..
هاسيب الميكروب ياخد راحته ويخلص فترة الحضانة بتاعته .. واترك المرض يظهر ويسيطر على الأوضاع في سلطة مطلقة بكل أعراضه المحببة .. الاعتصام بالذات .. الإيواء إلى جبل يعصمني من الخوف .. الطيران بحرية .. وأثق أني قريبا جدا سأستيقظ من نومي وانا أقول: "إيه أم الزهق اللى كنت مزهقه لنفسي ده ؟"
وسأنتظر (كنت) هذه بمنتهى الشغف ..
وبس ..