أفكر الآن في أن جزءا من الانجذاب لآخر ... و جزءا كبيرا و أساسيا يحتوي بشكل ما على أسباب نفسية ، بالأحرى ... على شيء من شعور بنقص أمام نقطة تفوق يحظى بها ذلك الآخر ... أو فلنقل ، شيء مفقود يتمنى الشخص وجوده في ذاته ، فلا يجده ، فينجذب إليه عند آخر ...
لا أتحدث هنا عن الإنجذاب الجسدي بين الرجل و المرأة ، أتحدث عن إنجذاب شخص - أي شخص - إلى أي شخص آخر ، و رغبته في أن يكون معه بإستمرار أو رؤيته له كشخص مميز أو مختلف أو محاولته العديدة للتقرب منه ، أو ظنه بأن هذا الشخص يشكل له شيئا كبيرا ....
( و إن كانت بعض الإنجذابات لرجل معين أو فتاة معينة تحمل هذا في جوهرها أيضا )
على الصعيد الشخصي ... أتذكر جيدا أن كل من رغبت في صداقاتهن أيام فترة الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي ، فتيات تبتعدن كثيرا عن تركيبتي الشخصية ... لكني كنت أرغب في أن نكون أصدقاءا و كنت أحاول - فاشلة مرة بعد الأخرى - الإقتراب منهن أو مصاحبتهن أغلب الوقت ... و منذ عدة سنوات في جلسة رائقة مع الذات ، جلست أحلل مشاعري تجاه كل واحدة فيهن ، و كيف أني كنت أفتقد شيئا في ذاتي أنبهر في وجوده عندهن .. الانطلاق مثلا ... خفة الدم ... الثقة ... المثالية ( كسارة ) ..... الإهتمامات المتعددة و الشخصية القوية المستقلة ( كماريانا مثلا )... و في هذه الحالة الذات تسلك طريقا من اثنين : إما أن تغار و تكره الشخصية الأخرى و تحاول منها تقليلا .. أو أن تنجذب اتجاهها ، تنبهر بها ، و تحاول إنشاء علاقة وطيدة معها ( علاقة غير متزنة غالبا ، يبالي فيها أحد الطرفين بكل شيء ، و لا يبالي الطرف الثاني بشيء على الإطلاق ) ...
أيضا ... ألاحظ بعض العلاقات المشابهه من حولي في هذه الفترة ... لأجد علاقات مفترضا فيها الصداقة ، لأجد شخصية ما ذات كاريزما في شيء معين : التحدث بثقة مثلا ، العلاقات الاجتماعية المتعددة ، الجرئة ، إلخ ... و شخصية ما معها لا علاقة حقيقية سوى هذه الهالة التي تقترب منها ، و لا تتفاعل معها ، لكنها تنبهر بها - و الإنبهار يمنع التفاعل غالبا - ...
العلاقات غير المتزنة منتشرة جدا سواءا في علاقات مفترضا بها علاقة صداقة عادية أو علاقة حب حتى ... و كلٌ منا يجد نفسه بشكل أو بآخر في علاقات غير متزنة ، مرة يكون هو فيها الطرف الأعلى الذي يحاول الآخر تعقبا لخطواته بينما هو لا يبالي به كثيرا ، و مرة يكون هو الطرف الأكثر اهتماما ، المركزا على تفاصيل لا قيمة حقيقية لها و لا مردود عند الطرف الآخر ..
=============================
اكتشفتُ في لحظة ما أن على المرء أن يكون أكثر ثقة في ذاته .. إحتراما لها و تقديرا ... و ساعيا لأن يكسبها كل ما يحب من صفات قد ينجذب لها في آخرين ...
كما اكتشفتُ أن ما يفرق بالنسبة لعالمك المحيط هو كيف تقدم له ذاتك هذه .. فالناس لا تثق بك إذا ما كنت أنت غير واثق في نفسك ... لا تحترمك إذا ما كنت مقللا من قدر ذاتك و مجرحا في صورتها ... لا تحبك و تعدك كائنا مهما إذا ما كنت أنت نفسك لا تحب ذاتك و تعدها كائنا تافها لا قيمة له ...
و أتذكر جدا مرة أثناء مشاهدتي لأحد حوارات "يوسف شاهين " بأني قلت لنفسي بأن أكبر عبقرية ليوسف شاهين حقا هو أنه قدم نفسه للآخرين كعبقري ، و كشخص مميز و مختلف حتى لو اختلفوا معه أو لم يحبوا أفلامه أو يفهموها ... هو استطاع أن يصنع لنفسه اسما بالطريقة التي قدم بها نفسه للآخرين ...
============
حتى في إنبهارنا بمن نحب من كتاب أو فنانين أو حتى بلوجرز :) ، هناك تلك الثقة التي تمنحها الكتابة .. و ذلك الوجود المتفرد الذي تمنحه الكلمات في الحكي عن الذات و عن الآخرين ، و سلطوية الرؤية التي يقدمها الكاتب / الفنان ... فالفن ممارسة للوجود في المقام الأول ... و طبيعي أن ينبهر من يحدد وجوده و يحصره فيمن يمارس وجوده بفاعليه ...
=======================
حتى في علاقات الآباء و الأمهات بأبنائهم ... هناك دوما الطفل المدلل .. كثير الطلبات ، الواثق فيما يريد ، المستقل في تصرفاته الذي يهمه نفسه بالقدر الأول و لا يعنيه الآخرين بعد ذلك ، و هناك الطفل الذي لا طلبات كثيرة له ، الذي يسمع الكلام ، و يخشى من (زعل ) أبيه أو أمه ...
في كثير من العائلات ... من تعنيه نفسه بالقدر الأول هو من يجذب نحوه الاهتمام أكثر بشكل ما ...
--------
هي ليست دعوة للأنانية ... مجرد تفكير بصوت عالٍ ...
و دعوة ربما لأن يقدر المرء نفسه حقا ، و أن تعنيه حقا و يعنيه أن تكون راضية و سعيدة و محبة لذاتها و متسقة معها و مستمتعة بوجودها ، قبل أن يعنيه الأخرين كلهم ، و قبل أن يعنيه رأيهم في هذه الذات ...
فقط ... حاولوا أن تستمتعوا بوجودكم ذاته ، لينسحب هذا نحو الآخرين تدريجيا ، و يستمتعون هم أيضا به .. :)
هناك 3 تعليقات:
لأ
هوه ايه اللي لأ ؟ لأ اني أفكر ؟ :) و لا لأ ان ده مش صحيح ...
لاحظ إني بأتكلم في إطار إن بعض العلاقات بتبقى كده ، و في إطار الإنجذاب ، و في إطار علاقات غير مكتملة أو متحققه..و في إطار إن ده أحد الأسباب ... ما بتكلمش عن علاقة حب أو صداقة حقيقية موجودة بالفعل ... لأن المقاييس بتختلف تماما ..
عموما منور حتى بلأءك تلك :)
من الطبيعي أن تكون علاقات غير متزنة فهي قائمة أصلا على المصلحة، وليس لها أي علاقة بالصداقة الحقيقية والتي غالبا تكون قائمة على التكافئ والصراحة.
في الغالب الشخصيات اللي ذكرتيها دائما ما تتصف بالعند والمكابرة والمثابرة. وأتفق معكي في ضرورة البحث داخلنا عن أنفسنا بدل من الإنبهار والتعلق الزائف بالآخرين، في حين إن ما بداخلنا من صفات جميلة يفوق ما ننبهر به.
إرسال تعليق