آثرتُ لملمة بعض الياسمين من الأرض عن قطفه من الشجرة خلفي
لم أجلس نافدة الصبر ، و لم أنظر في الساعة كثيرا ً -- كنتُ أفحص زهرات الياسمين معي
وجدته أمامي مرة واحدة -- حل الارتباك بإبتسامتي ، و وضعتُ الياسمين في الحقيبة بسرعة ، و قمت معه
" قهوة "
كان مطلبنا متشابها في " إيليت "
منتحتني اللوحات الفنية المرصوصة على الحائط بعض الألفة بالمكان الذي تناثرت زجاجات " البيرة " على بعض موائده
- " تفتكر اللوحات دي أصلية ؟ "
- " ما أعرفش -- بس مش هايفرق --- ماحدش بياخد باله من وجودها في الأساس "
كان يغلب على داخل المقهى الوجودُ المتوحدُ المكتفي بذاته للأفراد الذين يسامرون مشروبا ما أو " زجاجة بيرة " ، بينما تركز وجود ما يشكل جماعات في الواجهة التي تطل على الشارع
كانت منضدتنا تسمح برؤية المكان كله بوجودها بالركن الداخلي للمقهى -- بل ، و تشرُب الجو المميز للمكان -- بلوحاته ، إضائته الهامسة ، مناضده الكبيرة المرتفعة ، أغنيات ال" جاز " و " البوب " القديمة التي تنبعث من ( غرفة ) إعداد الطلبات ، الجرسون الخمسيني ذو الابتسامة شديدة التهذيب
" اسكندرية منورة "
" منورة ذاتيا على فكرة ، لا بيا و لا بيك "
ابتسم ----- " اللماضة المعتادة "
" أكيد "
العمل -- الدراسة -- الصحة و الحال ---------كانت الأسئلة المعتادة بإجاباتها المعتادة يتم دفعها بين كل فترة صمت و أخرى
" خرجتي قبل كده مع حد من باقي أصحابك هنا ؟ "
" آه أكيد "
ثم تابعت --- " حتى من قبل ما يكون لي أصحاب هنا --- اسكندرية كلها صاحبتي "
" مافيش فايدة " ردد ضاحكا
" أبدا " --- أكدتُ له
"
عدنا لصمتينا المعتادين ---- " وجودُك كلام " -- همستُ لي ---" وجودي معك كلام "
" تيجي نتمشى أحسن ؟ "
وافقتُ بترحيب
و كالعادة -- عادتي و عادة كل من أعرف من أصدقاء -- صار تمشينا تلكؤاً و فضولا ً و وقوفاً أمام بائعي الكتب بشارع النبي دانيال
" بأدور على كتب " سارتر " "
لمحتها خلف الاسم و الاهتمام
لم أعرف عنها سوى رتوش قليلة جدااا -- كان أهمها على الإطلاق : أنه أحبها
الحب -- التكامل -- البدايات المبشرة المندفعة -- و النهاية الباردة التي لم تؤثر برودتها على حنينه الدائم لها
" قرتيله حاجة ؟ "
لم أعرف لِمَ هذا الاحساس الطاغي بوجودها
" يعني -- بس انت بتدور على كتاباته في الأدب ، و لا الفلسفة ، و لا علم النفس ؟ "
" علم النفس ؟ "
" آه -- كان كتب عن " الانفعال " قبل كده "
" ماكنتش أعرف " --- و استكملنا طريقنا
حوارٌ مبتور -- عدم محاولة أيٌ منا لافتعال حديث أو اهتمام -- جيد --- لا بأس على الإطلاق
" بصي " --- أشار بيده لللافتات التي تعلن أسماء الشوارع --- يونانية حينا -- عربية اسلامية حينا -- رومانية حينا -- و حديثة حينا آخر
ابتسمتُ
( هنا أيضا هي الآن )
أصبحنا ثلاثة في تجوالنا في شوارع محطة الرمل و تفرعاتها -- أنا -- هو -- و هي كطيفٍ يصاحبه ، و لا يدري أني أشعر بوجوده أنا أيضا
بل ؛ ربما نسير الآن بنفس المسارات التي سارا فيها معا من قبل ، و يعيد إبداء ملاحظةٍ أو أخرى قد أدهشتها أو لفتت انتباهها من قبل
إنه الحبل السري الذي يربطنا بتجاربنا الأولى
" كان يوم حلو --- شكرا جدا "
قلتُها و أنا أنظر في عينيه مبتسمة
( صديقٌ عزيز --- أستطيع النظر في عينيه مباشرةً دونما قلق أو شعورٌ بالخجل ) -- فكرتُ و أنا ألوح له من نافذة " المشروع "
( هل لمح طيفا ما إلى جواري أنا أيضا ؟ ) --- تساءلتُ و أنا أعبث بمحتويات حقيبتي لأجد أزهار الياسمين قد ذبلت تماما ً ، و إن نثرت عبقها بأرجاء الحقيبة .